نعم ، قد عرفت سابقا أنّ ظاهر جماعة من الإماميّة جعل أصل البراءة من الأدلّة الظنّية ، كما تقدّم في المطلب الأوّل استظهار ذلك من صاحبي المعالم والزبدة ، لكنّ ما ذكره من إكمال الدين لا ينفي حصول الظنّ ؛ لجواز دعوى أنّ المظنون بالاستصحاب أو غيره موافقة ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله للبراءة. وما ذكره من تبعيّة خطاب الله تعالى للحكم والمصالح لا ينافي ذلك (١٣٣١).
لكنّ الإنصاف ، أنّ الاستصحاب لا يفيد الظنّ خصوصا في المقام ـ كما سيجيء في محلّه ـ ، ولا أمارة غيره يفيد الظنّ. فالاعتراض على مثل هؤلاء إنّما هو منع حصول الظنّ ومنع اعتباره على تقدير الحصول ، ولا دخل لإكمال الدين وعدمه ولا للحسن والقبح العقليّين في هذا المنع.
______________________________________________________
وكيف كان ، فهو ينافي ما نسبه إليه المصنّف رحمهالله من وجوب الاحتياط فيما نحن فيه كما عرفت. نعم ، قوله فيما نقله المصنّف رحمهالله عنه : «ولمّا أبطلنا جواز التمسّك بها في المقامين ...» صريح في عدم جواز العمل بأصالة البراءة في الشبهة الوجوبيّة. ومن هنا قد يتوهّم التنافي بين كلامي المحدّث المذكور. وهو ضعيف. لأن المحدّث المذكور قد زعم أنّ البراءة الأصليّة في كلمات العلماء عبارة عن نفي الحكم الواقعي بسبب حكم العقل ، ولذا جعلها مبنيّة تارة على مذهب الأشاعرة ، واخرى على نفي الملازمة ، وحكم بتماميّتها على المذهبين قبل إكمال الدين ، ثمّ ادّعى في آخر كلامه منافاتها لامور ، ثمّ زعم بقاء جملة من الشبهات تحت قاعدة الاحتياط ، وهي الشبهات التحريميّة ، وجملة من الشبهات الوجوبيّة ، وهو ما ورد فيه خبر صحيح مردّد بين الوجوب والاستحباب ، وخبر صحيح ظاهر في الوجوب ، وادّعى رخصة الشارع في جواز ترك جملة اخرى منها ، وهو ما ورد فيه خبر ضعيف صريح في وجوبه ، وخبر صحيح ظاهر في استحبابه ، ولا ريب أنّ الرخصة الشرعيّة في الظاهر لا تنافي نفي أصالة البراءة مطلقا بالمعنى المذكور.
١٣٣١. لأنّه مع حصول الظنّ بالخطاب الواقعي لأجل الاستصحاب يحصل الظنّ أيضا بمطابقة المصلحة في الواقعة للخطاب المظنون ، بمعنى : كون المصلحة فيها