وأمّا في الثالثة ، فبما قيل (١٨) من أنّ جملة (١٨٣٦) «لا يترك» خبريّة لا تفيد إلّا الرجحان (١٨٣٧) ، مع أنّه لو اريد منها الحرمة لزم مخالفة الظاهر فيها ، إمّا بحمل الجملة على مطلق المرجوحيّة أو إخراج المندوبات ، ولا رجحان للتخصيص ، مع أنّه قد يمنع كون الجملة إنشاء ؛ لإمكان كونه إخبارا عن طريقة الناس وأنّهم لا يتركون الشيء بمجرّد عدم إدراك بعضه ، مع احتمال كون لفظ «الكلّ» للعموم الأفرادي ؛ لعدم ثبوت كونه حقيقة في الكلّ المجموعي ، ولا مشتركا معنويّا بينه وبين الأفرادي ، فلعلّه مشترك لفظي أو حقيقة خاصّة في الأفرادي ، فيدلّ على أنّ الحكم الثابت لموضوع عامّ بالعموم الأفرادي إذا لم يمكن الإتيان به على وجه العموم ، لا يترك موافقته فيما أمكن من الأفراد.
ويرد على الأوّل : ظهور الجملة في الانشاء (١٨٣٨) الإلزامي كما ثبت في محلّه ، مع أنّه إذا ثبت الرجحان في الواجبات ثبت الوجوب ؛ لعدم القول بالفصل في المسألة الفرعيّة.
______________________________________________________
١٨٣٦. القائل هو الفاضل النراقي.
١٨٣٧. بناء على كون مطلق الرجحان أقرب المجازات في الجمل المستعملة في معنى الإنشاء.
١٨٣٨. لعلّ الوجه فيه بعد التبادر أنّ الإنشاء الإلزامي أقرب إلى معنى الجمل الأخباريّة من مطلق الرجحان ، لأنّ الغالب فيها الإخبار عن أمر واقع محقّق أو سيتحقّق ، لأنّ احتمال الكذب فيها احتمال عقلي خارج من مقتضى الوضع كما صرّحوا به ، ومن هنا قيل بكون الجملة الخبريّة المستعملة في إنشاء طلب الفعل أو الترك أظهر في الدلالة عليه من صيغة الأمر أو النهي ، لأنّ مقتضى ظاهر الحال هو الإتيان بصيغتهما ، ففي العدول عنه إلى التعبير بالجملة الخبريّة إيذان وإشعار بأنّ ترك الفعل المحرّم أو الإتيان بالفعل الواجب كالواقع المحقّق ، كما هو ظاهر عند من له دراية بدقائق المعاني ، فتدبّر.