.................................................................................................
______________________________________________________
هذا كلّه فيما دار الأمر فيه في فعلين بين كون أحدهما واجبا والآخر حراما. وإن دار الأمر فيه في أفعال بين كون أحدها واجبا والآخر حراما والثالث مباحا ، فإن قلنا بجواز المخالفة القطعيّة في الشبهة المحصورة ، يجب الإتيان بالجميع هنا من باب المقدّمة لامتثال الواجب المعلوم إجمالا.
وإن قلنا بوجوب الموافقة القطعيّة فيها كما هو المختار ، ففي القول بالتخيير هنا ، بأن يلتزم بوجوب أحدها وحرمة الآخر وإباحة الثالث ، أو تقديم جانب الحرمة في الجملة ، بأن يجعل أحدها واجبا والآخران حرامين ، أحدهما أصالة والآخر مقدّمة له ، أو التخيير في الثالث بين تركه مقدّمة للحرام والإتيان به مقدّمة للواجب ، وجوه آتية مع فرض كون الشبهة حكميّة أيضا.
ولا مسرح للأوّل ، لأنّ المباح إنّما يتّصف بالإباحة الفعليّة مع عدم عروض عنوان محرّم أو موجب في الظاهر ، لوضوح عدم منافاة الإباحة الذاتيّة للوجوب أو الحرمة العرضيّة. ولا ريب أنّه مع دوران الأمر بين الأحكام الثلاثة في المقام يحصل القطع بعروض طلب إلزامي ـ وإن كان غيريّا ـ من باب المقدّمة للفعل المباح ، فهو إمّا واجب من باب المقدّمة للواجب المعلوم إجمالا ، أو حرام كذلك ، ومع عدم العلم بخصوص العنوان العارض له ، وعدم إمكان الاحتياط فيه ، يثبت التخيير في جعله مقدّمة لأحدهما بحكم العقل. ومن هنا يظهر الوجه الثالث ، وكونه أقوى من الأوّل. وأمّا الثاني فهو مبنيّ على ترجيح جانب الحرمة على الوجوب ، نظرا إلى أولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة ، وقد عرفت ما فيه ، فإذن الأقوى هو الأخير.
ثمّ إنّه يظهر ممّا عرفت من اختصاص الكلام في المقام بما كانت الحرمة فيه ذاتيّة ، أنّ ما عزي إلى الأصحاب من دعوى كون ما ورد من الأمر بإراقة الإنائين والتيمّم بعدها واردا عندهم على طبق القاعدة ، نظرا إلى حرمة استعمال النجس ، وكون مقدّمة الحرام حراما ، فيجب إراقتهما من باب المقدّمة ، محلّ نظر ، لأنّ ذلك إن كان مبنيّا على حرمة استعمال النجس من باب التشريع ، بأن كان استعماله في