إمّا في استحقاقه العقاب وإمّا في صحّة العمل الذي اخذ فيه بالبراءة. أمّا العقاب : فالمشهور أنّه على مخالفة الواقع لو اتّفقت ، فإذا شرب العصير العنبيّ من غير فحص عن حكمه ، فإن لم يتّفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ، ولو اتّفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير لا على ترك التعلّم.
أمّا الأوّل (١٨٩٣) ؛ فلعدم المقتضي للمؤاخذة ، عدا ما يتخيّل من ظهور أدلّة وجوب الفحص وطلب تحصيل العلم في الوجوب النفسي. وهو مدفوع : بأنّ المستفاد من أدلّته بعد التأمّل إنّما هو وجوب الفحص (١٨٩٤) لئلا يقع في مخالفة الواقع ، كما لا يخفى ، أو ما يتخيّل من قبح التجرّي ، بناء على أنّ الإقدام على ما لا يؤمن كونه مضرّة كالإقدام على ما يعلم كونه كذلك ، كما صرّح به جماعة منهم الشيخ في العدّة (٩) وأبو المكارم في الغنية. لكنّا قد أسلفنا الكلام في صغرى وكبرى هذا الدليل (١٨٩٥).
______________________________________________________
١٨٩٣. أي : عدم العقاب إذا لم يتّفق كونه حراما.
١٨٩٤. فيكون الأمر به إرشاديّا ، والمصلحة فيه الوصول إلى الأدلّة التي جعلها الشارع طرقا إلى الواقع ، والمقصود من جعلها أيضا ـ كما سيجيء ـ هو الوصول إلى الواقع ومطابقة العمل له ، فمطلوبيّة الفحص وكذا العمل بالطرق إنّما هي للغير ، ولا عقاب على الواجبات الغيريّة كما قرّر في محلّه. ويؤيّده أنّ الأحكام الشرعيّة إنّما تعلّقت بالعناوين الواقعيّة ، مثل قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ). ومقتضاه ـ على ما هو الحقّ من كون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة ـ كون العقاب مترتّبا على نفس الواقع دون مقدّماته ، فتأمّل. مضافا إلى أنّ قوله عليهالسلام فيما تقدّم من الأخبار : «قتلوه قتلهم الله ، إلّا سألوه ألا يمّموه» ـ وهكذا غيره ممّا تقدّم وما يأتي من رواية عمّار ـ ظاهر فيما ذكرناه ، من كون السؤال لأجل عدم الوقوع في مخالفة الواقع ، وكون العقاب مرتّبا على نفس مخالفة الواقع مع التقصير في السؤال.
١٨٩٥. يعني : من حيث قبح التجرّي ، وكذا من حيث ترتّب العقاب عليه وعدمه.