.................................................................................................
______________________________________________________
وثانيها : أنّ المكلّف إذا التفت إلى وجود واجبات ومحرّمات في الشرع مطلوب منه فعلها أو تركها في آن من الآنات ، وعلم بذلك إجمالا ، وترك الفحص والسؤال عن تفاصيلها ، لا يعذر بمجرّد غفلته عنها في وقت العمل ، لأنّ المسلّم من قبح تكليف الجاهل هو الجاهل المحض ، لا الملتفت العالم بها إجمالا ولو عرضت له الغفلة بعده ، ولذا نفى العلّامة فيما حكاه صاحب المدارك في عبارته المتقدّمة كون العلم شرطا في التكليف ، لأنّ مراده لا بدّ أن يكون ما ذكرناه لا الجاهل المحض. وحاصله : نفي كون العلم التفصيلي شرطا في التكليف.
وثالثها : إجماعهم على تكليف الكفّار بالفروع ، وكونهم معاقبين بها مع جهلهم بها ، ولذا قد عرفت أنّ صاحب الذخيرة مع ميله إلى كون التكليف متعلّقا بالمقدّمات ، قد استشكل فيه لأجل هذا الإجماع المقتضي لتعلّق التكليف بنفس الأحكام المجهولة.
وأنت خبير بأنّ الظاهر أنّ فتوى الأصحاب بكون الكفّار مكلّفين بالفروع إنّما هو في قبال فتوى أبي حنيفة بكونهم مكلّفين بالاصول دون الفروع ، وحينئذ لا يمكن أن يستفاد من إطلاقهم لكونهم مكلّفين بالفروع كون العقاب مرتّبا على مخالفة نفس الأحكام المجهولة حين مخالفتها ، أو حين ترك مقدّماتها المفضي إلى تركها ، أو على نفس ترك المقدّمات ، أو غير ذلك ممّا تقدّم ، فلا وجه حينئذ لاستشكال صاحب الذخيرة فيما جنح إليه أوّلا لأجل هذا الإجماع.
ورابعها : قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ.) والتقريب فيه واضح ، لأنّ اعتذارهم عن كونهم معذّبين في السقر بترك الصلاة والإطعام دليل واضح على كون العقاب مرتّبا على مخالفة نفس الواجبات والمحرّمات دون مقدّماتها.
وخامسها : ما تقدّم في الدليل الثالث من أدلّة وجوب الفحص عن الأخبار