.................................................................................................
______________________________________________________
ورابعا : أنّ متعلّق الحرمة هو أفعال العباد دون الأحكام ، مع أنّ العلماء ربّما يستدلّون على الأعمّ منهما ، ولذا ترى أنّهم يقولون بعدم وجوب الوضوء فيما استلزم استعمال الماء الضرر ، استنادا إلى هذه القاعدة ، وكذا بعدم وجوب الحجّ مع العلم أو الظنّ بالضرر في الطريق ، ولا معنى لحرمة إيجاب الوضوء والحجّ على الله تعالى عن ذلك.
هذا ، ويمكن دفع ما عدا الأوّل بحمل النهي على بيان الحرمة التشريعيّة دون الذاتيّة ، بأن يراد بتحريم الضرر تحريم الالتزام بالحكم الذي يترتّب عليه الضرر ، لوضوح حرمة الالتزام بالحكم المنفي شرعا. ولعلّه لأجل ذلك قد صرّح المصنّف رحمهالله برجوع المعنى الثاني إلى الأوّل ، لوضوح ثبوت الحرمة على المعنى الأوّل أيضا ، لما عرفت من استقلال العقل بقبح الالتزام بالحكم المنفي شرعا ، غاية الأمر أنّ الحرمة على المعنى الأوّل تكون ثابتة بحسب العقل ، وعلى المعنى الثاني مصرّحا بها في الرواية.
وخامسا : أنّ حمل نفي الضرر على إرادة النهي عنه لا يناسبه تقييده بقوله «في الإسلام» إذ الإسلام عبارة عن نفس أحكامه سبحانه ، فيصير المعنى حينئذ : يحرم فعل الضرر في الأحكام ، ولا ريب في هجنته (*).
ورابعها : وهو ما يستفاد ممّا نقله المصنّف رحمهالله عن الفاضل التوني ، أن يكون المراد نفي الضرر المجرّد عن التدارك والجبران في الإسلام ، لا بدعوى حذف قيد الجبران ، بل بدعوى كون الضرر المتدارك غير ضرر ادّعاء ، كدعوى دخول الشجاع في جنس الأسد على مذهب السكاكي ، فلا حذف حتّى ينفى بالأصل ، إذ كما أنّ ما يحصل بإزائه نفع ـ كدفع مال بإزاء عوض مساو له أو أزيد ـ لا يسمّى ضررا ، كذلك الضرر المقرون بحكم الشارع بلزوم تداركه منزّل منزلة عدمه ، وإن لم يسلب عنه مفهوم الضرر حقيقة بمجرّد حكم الشارع بالتدارك.
فإتلاف المال بلا تدارك ضرر صاحبه إن وجد في الخارج فهو منفي ، فلا بدّ أن
__________________
(*) المصباح : الهجنة في الكلام العيب.