كان ترك الكلّ معصية عند العقلاء حكم بحرمتها (١٦١٤) ، ولا تدلّ حرمة المخالفة القطعيّة على وجوب الموافقة القطعيّة.
قلت : العلم الإجمالي كالتفصيلي علّة تامّة لتنجّز التكليف بالمعلوم ، إلّا أنّ المعلوم إجمالا يصلح لأن يجعل أحد محتمليه بدلا عنه في الظاهر ، فكلّ مورد حكم الشارع بكفاية أحد المحتملين للواقع ـ إمّا تعيينا كحكمه بالأخذ بالاحتمال المطابق للحالة السابقة ، وإمّا تخييرا كما في موارد التخيير بين الاحتمالين ـ فهو من باب الاكتفاء (١٦١٥) عن الواقع بذلك المحتمل ، لا الترخيص لترك الواقع بلا بدل في الجملة ؛ فإنّ الواقع إذا علم به وعلم إرادة المولى بشيء وصدور الخطاب عنه إلى العبيد وإن لم يصل إليهم ، لم يكن بدّ عن موافقته إمّا حقيقة بالاحتياط وإمّا حكما بفعل ما جعله الشارع بدلا عنه ، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في الشبهة المحصورة.
وممّا ذكرنا يظهر (١٦١٦) عدم جواز التمسّك في المقام بأدلّة البراءة ، مثل رواية
______________________________________________________
بالواقع ، كما هو مقتضى فرض وجود المقتضي لوجوب الاحتياط وعدم المانع منه عقلا وشرعا ، لم يقع خلافه في الشرع ، إذ الوقوع دليل إمّا على عدم المقتضي أو على وجود المانع.
١٦١٤. أي : تحريم ترك الكلّ. وتأنيث الضمير باعتبار التأويل بالمخالفة القطعيّة.
١٦١٥. الفرق بين جعل أحد المشتبهين بدلا عن الواقع ، واقتناع الشارع في مقام الامتثال بالإتيان بنفس الواقع أو بدله ، وبين الرخصة في مخالفة الواقع في الجملة لأجل مصلحة في المقامين ، واضح. وصريح المصنّف رحمهالله تعيّن حمل ما دلّ على التخيير في بعض موارد العلم الإجمالي على الأوّل. وهو مبنيّ على قبح الرخصة المذكورة مع العلم إجمالا بمطلوبيّة الواقع تعيينا ، بخلاف جعل البدل للواقع ، لأنّه ليس رخصة في المخالفة ، بل مرجعه إلى مطلوبيّة الواقع أو ما يقوم مقامه.
١٦١٦. هذا بناء على الاستناد في أصالة البراءة إلى الأخبار. وأمّا بناء على الاستناد فيها إلى العقل فقد يقال في تقريبها : إنّه إذا حصل العلم بالوجوب وشكّ