.................................................................................................
______________________________________________________
الواجب في الواقع ، وهو قبيح ، فيثبت وجوب الإتيان بالجميع عقلا.
ويوضحه ما نقله المصنّف رحمهالله في صدر الكتاب من الدليل العقلي على حرمة التجرّي ، ومرجعه إلى إناطة الأحكام الشرعيّة بالامور غير الاختياريّة لولاها ، كما هو واضح لمن راجعه ، لأنّ مورده وإن غاير ما نحن فيه ، في كون المطلوب هناك حرمة التجرّي بارتكاب ما قطع بحرمته أو بترك ما قطع بوجوبه مع مخالفة قطعه للواقع ، وهنا حرمته بترك ما احتمل كونه هو الواجب في الواقع ، إلّا أنّه يمكن إجراء الدليل المذكور هنا أيضا ، بأن يقال : إذا اشتبهت القبلة على شخصين وصلّى أحدهما إلى الجهة التي صلّى الآخر إلى خلافها ، مع تركهما باقي الجهات كلّا أو بعضا ، فإمّا أن يستحقّا العقاب ، أو لا يستحقّه أحدهما ، أو يستحقّه من صادف فعله الواقع دون الآخر ، أو بالعكس. ولا سبيل إلى الثاني والثالث. وأمّا الرابع فهو مستلزم لإناطة العقاب وعدمه بالامور غير الاختياريّة ، وهي هنا المطابقة وعدمها ، إذ الفرض تساويهما فيما سواهما ، فيتعيّن الأوّل ، فيثبت حينئذ ترتّب العقاب على مجرّد ترك بعض محتملات الواجب الواقعي صادف الواقع أم لا ، وهو لا يتمّ إلّا على تقدير كون وجوب المشتبهات شرعيّا ، لما قرّره المصنّف رحمهالله من عدم ترتّبه عليها بالخصوص على تقدير كون وجوبها عقليّا. وضعفه يظهر ممّا أسلفه المصنّف رحمهالله في صدر الكتاب.
ويؤيّده ـ بل يدلّ عليه ـ أنّه لا ريب في كون المشتبهات مقدّمات علميّة للواقع ، والعبد إنّما يذمّ عند العقلاء على ترك نفس الواجب الواقعي دون مقدّماته ، ولذا ترى أنّه لو نوى أشخاص معصية ، ولكن منع بعضهم منها مانع قبل إيجاد شيء من مقدّماتها ، وآخر بعد إيجاد جملة منها ، وثالثا بعد إيجاد تمامها ، فلا ريب في توجّه الذمّ إليهم بمرتبة واحدة ، فهو يكشف عن كون الذمّ على ما هم عليه من خبث السريرة من دون مدخليّة للمقدّمات في ذلك ، وإلّا كان توجّه الذمّ إليهم مختلفا في الشدّة والضعف. اللهمّ أن يمنع عدم استحقاق العقاب ، لأنّ غاية