وهذا الغموض والاختلاط يجعلنا نقبل بعض المتناقضات حتى في مستوى ما دون القمة بقليل من الفكر الإسلامي المعاصر المنتشر.
وبقدر ما يسلم المسلم بالبداهة العفوية أن يقال الإسلام دين العلم والعقل يسلم أيضاً ما يقال ، هل تريد أن تحكم في الإسلام العلم الذي لا يستقر على حال وهو على تقلب دائم ما ثبت اليوم يهدم غداً. وهل نحكم في الإسلام العقل ونحكم في الدين أهواء الناس.
أظن أننا بعد أن تذكرنا هذا الجانب الثاني من الموضوع أخذ يبرز أمامنا شيئاً من الاختلاط الذي ينبغي أن نكون ازاءه دقيقين في تعابيرنا ولا نقبل إطلاق أمور لا يمكننا أن نلتزم به سائر الطريق مثل كلمة الإسلام دين العلم والعقل.
أو أننا علينا أن نحاول التعرف على مكان الخطأ في إدانة العلم والعقل في مكان ما من الطريق. وهذا الموضوع بالذات ليس جديداً في البحث ولكنه غير مستوفي ولا انتشر في عامة المتعلمين ما كتب فيه.
إن ابن تيمية بحث هذا الموضوع قديماً ووصل إلى نتيجة رائعة حين أقر قاعدته العظيمة التي معناها : « أن صحيح المعقول لا يخالف صحيح المنقول ان صحيح المعقول يوافق صحيح المنقول» ، وفي رأيه أن اعتقاد مخالفة صحيح المعقول لصحيح المنقول خطأ ، وأن الرأي السديد عدم المخالفة بينهما ما داماً صحيحين الثبوت والدلالة.
ونعلن هذا الرأي : ليس هناك علم صحيح يقال عنه أن الإسلام يخالفه وينبغي تركه ، وفرض هذا الرأي خاطىء من أصله إما أن يكون علم فيقبل أو ليس علم فيترك وعلينا هنا أن نقف وقفة قصيرة قبل أن نتابع هذا الموضوع لنبين جانب آخر وهو الاختلاط الذي يحصل في ذهن المسلم المعاصر بين ما هو مقبول في القرآن وما هو مرفوض. وعدم وضوح هذا التمييز الذي هو واضح جداً في القرآن بقدر ما هو غامض في ذهن المسلم حيث لم يواجهه بوعي ولم ينتبه اليه