.................................................................................................
______________________________________________________
لأنّا لو غبنا عن زيد مثلا عشر سنين ، وقطعنا النظر عن الامور الخارجة المنبعث عنها الظنّ بالبقاء ، لما وجدنا من أنفسنا الظنّ ببقائه. وإليه أشار المرتضى رضى الله عنه بقوله : «وقد ثبت في العقول أنّ من شاهد زيدا في الدار ثمّ غاب عنه ، لا يحسن أن يعتقد استمرار كونه في الدار إلّا بدليل متجدّد ، ولا يجوز استصحاب الحال الأولى ، وصار كونه في الدار في الثاني وقد زالت الرؤية بمنزلة كون عمرو فيها مع فقد الرؤية» انتهى. والظنّ المستند إلى القرائن الخارجة لا يفيد اعتبار الاستصحاب ، لأنّه إثبات شيء لكونه ثابتا في الزمان الأوّل ، لا للقرائن الخارجة. والإنصاف أنّ تسليم الدعوى المذكورة ومنعها موقوف على الإنصاف وتخلية النفس ، فإنّ من يدّعي إفادة الاستصحاب للظنّ من حيث هو لا يمكن إلزامه بالدليل.
وثانيها : أنّ الاستصحاب لو كان مفيدا للظنّ لم يجز التمسّك به مع العلم الإجمالي بخلافه ، وقد استقرّت سيرة الأصحاب ـ بل طريقة العقلاء ـ على خلافه ، لأنّهم يرسلون المكاتب والهدايا والودائع إلى البلاد النائية مع علمهم بموت جماعة كلّ يوم من أهلها ، مع احتمال كون المرسل إليه من جملتهم ، فلو كان اعتبار الاستصحاب مبنيّا على إفادة الظنّ لم يجز ذلك ، لأنّ من أرسل كتابا إلى أبيه أو أحد أصدقائه من بلد ناء ، مع علمه بموت أشخاص في بلد أبيه ، واحتمل كون أبيه أو أحد أصدقائه الذي أرسل إليه الكتاب من جملتهم ، فهذا العلم الإجمالي متساوي النسبة إلى جميع أشخاص بلد أبيه. ولو كان إرسال الكتاب مبنيّا على ظنّ بقاء المرسل إليه ، فلا بدّ لهذا الظنّ والترجيح من منشأ ، إذ لا يمكن حصول الظنّ ببقاء الجميع ، لأجل انتقاض مقتضاه بالعلم الإجمالي بموت بعضهم. فإن كان المنشأ هو القدر الجامع بين الجميع ، أعني : العلم بالوجود السابق ، فهو لا يصلح للترجيح بالبديهة ، لتساوي الجميع بالنسبة إليه. وإن كان غيره ، فليبيّن حتّى ينظر فيه.