.................................................................................................
______________________________________________________
وثالثها : أنّ الاستصحاب لو كان معتبرا من باب الظنّ شخصا أو نوعا لم يكن وجه لتقديم سائر الأدلّة والأمارات الظنّية عليه عند التعارض ، كما استقرّت عليه طريقتهم في الفقه ، لكونه حينئذ من جملة الأدلّة والأمارات الظنّية.
وأمّا ما ذكره المحقّق القمّي رحمهالله في ردّ من اشترط في العمل بالاستصحاب عدم وجود دليل شرعيّ آخر يوجب انتفاء الحكم الثابت أوّلا في الوقت الثاني ، وإلّا تعيّن العمل بذلك الدليل إجماعا ، من أنّ الإجماع على ذلك إن سلّم في أصل البراءة وأصل العدم فهو في الاستصحاب ممنوع. إلّا ترى أنّ جمهور المتأخّرين قالوا : إنّ مال المفقود في حكم ماله حتّى يحصل العلم العادي بموته استصحابا للحال السابق ، مع ما ورد من الأخبار المعتبرة في الفحص أربع سنين ثمّ التقسيم بين الورثة. وعمل عليها جماعة من المحقّقين ، فكيف يدّعى الإجماع على ذلك.
ففيه : ما ستعرفه عند بيان شرائط العمل بالاستصحاب. ويمكن دفعه بأنّ تقديم سائر الأمارات الاجتهاديّة الظنّية على الاستصحاب ، إنّما هو من جهة خصوصيّة فيه مفقودة في غيره ، وهو كون الشكّ في بقاء المتيقّن السابق مأخوذا في موضوعه حتّى عند القائل باعتباره من باب الظنّ أيضا ولو شخصا ، والأمارات الأخر القائمة على خلافه مزيلة لهذا الشكّ ، فتكون مقدّمة عليه من جهة حكومتها عليه ورفعها لموضوعه. وإليه أشار العضدي في تعريفه «بأنّ الشيء الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء» حيث اعتبر في إفادته الظنّ بالبقاء عدم قيام ظنّ آخر على خلافه ، ولم توجد أمارة توجد فيها هذه الخصوصيّة سوى الغلبة ، كما نبّه عليه المصنّف قدسسره.
وهذه الأمارات كما أنّها حاكمة على الاستصحاب ورافعة لموضوعه ، كذلك هو بالنسبة إلى الأدلّة الفقاهتيّة كالبراءة وغيرها ، لحكومته عليها ، فله مرتبة وسطى بين الأدلّة الاجتهاديّة والفقاهتيّة نظير المطلقات من الأدلّة الاجتهاديّة بالنسبة إلى سائر الأدلّة والاصول.