قال في العدّة ـ بعد ما اختار عدم اعتبار الاستصحاب في مثل المتيمّم الداخل في الصلاة ـ : والذي يمكن أن ينتصر به طريقة استصحاب الحال ما أومأنا إليه من أن يقال : لو كانت الحالة الثانية مغيّرة للحكم الأوّل لكان عليه دليل ، وإذا تتبّعنا جميع الأدلّة فلم نجد فيها ما يدلّ على أنّ الحالة الثانية مخالفة للحالة الاولى ، دلّ على أنّ حكم الحالة الاولى باق على ما كان. فإن قيل : هذا رجوع إلى الاستدلال بطريق آخر ، وذلك خارج عن استصحاب الحال. قيل : إنّ الذي نريد باستصحاب الحال هذا الذي ذكرناه ، وأمّا غير ذلك فلا يكاد يحصل غرض القائل به (٣) ، انتهى.
احتجّ النافون بوجوه : منها ما عن الذريعة وفي الغنية من : أنّ المتعلّق بالاستصحاب يثبت الحكم عند التحقيق من غير دليل. توضيح ذلك : أنّهم يقولون : قد ثبت بالإجماع على من شرع في الصلاة بالتيمّم وجوب المضيّ فيها قبل مشاهدة الماء ، فيجب أن يكون على هذا الحال بعد المشاهدة. وهذا منهم جمع بين الحالتين في حكم من غير دليل اقتضى الجمع بينهما ؛ لأنّ اختلاف الحالتين لا شبهة فيه ؛ لأنّ المصلّي غير واجد للماء في إحداهما وواجد له في الاخرى ، فلا يجوز التسوية بينهما من غير دلالة ، فإذا كان الدليل لا يتناول إلّا الحالة الاولى ، وكانت الحالة الاخرى عارية منه ، لم يجز أن يثبت فيها مثل الحكم (٤) ، انتهى.
أقول : إن كان محلّ الكلام فيما كان الشكّ لتخلّف وصف وجودي أو عدمي متحقّق سابقا يشكّ في مدخليّته في أصل الحكم أو بقائه ، فالاستدلال المذكور متين جدا ، لأنّ الفرض عدم دلالة دليل الحكم الأوّل ، وفقد دليل عامّ يدلّ على انسحاب
______________________________________________________
تنبيه : اعلم أنّه قد ظهر ممّا أورده المصنّف رحمهالله على أدلّة القول الأوّل ، وما علّقناه على كلماته ، ضعف جميع هذه الأدلّة ، إلّا أنّ جماعة قد تمسّكوا لهذا القول بالأخبار الواردة في المقام ، وتركها المصنّف رحمهالله هنا زعما منه اختصاص مؤدّاها بالشكّ في الرافع ، فأوردها في ذيل بيان مختاره. ولكنّا قد أسلفنا عند شرح ما يتعلّق بمختاره تضعيفه ، وكون مؤدّاها شاملا لكلّ من الشكّ في المقتضي والرافع. وسيجيء تتمّة الكلام فيه عند شرح ما يتعلّق بقول المحقّق الخونساري. ولذا كان الأقوى في النظر بالنظر إلى إطلاق هذه الأخبار القول المذكور.