لا يقال : بم تنكرون على من يقول : الأصل أنّ ما ثبت دام إلى وجود قاطع ؛ فلا يحتاج الدوام إلى دليل في نفسه ، بل الثبوت هو المحتاج ، كما إذا ثبت موت زيد أو بناء دار كان دوامه بنفسه لا بسبب. لأنّا نقول : هذا وهم باطل ؛ لأنّ كلّ ما ثبت جاز دوامه وعدمه ، فلا بدّ لدوامه من سبب ودليل سوى دليل الثبوت. ولو لا دليل العادة على أنّ الميّت لا يحيى والدار لا ينهدم إلّا بهادم أو طول الزمان ، لما عرفنا دوامه بمجرّد ثبوته ، كما لو اخبر عن قعود الأمير وأكله ودخوله الدار ، ولم يدلّ العادة على دوام هذه الأحوال ، فإنّا لا نقضي بدوامها. وكذا خبر الشارع عن دوام الصلاة مع عدم الماء ليس خبرا عن دوامها مع وجوده ، فيفتقر في دوامها إلى دليل آخر (١٧) ، انتهى.
ولا يخفى أنّ كثيرا من كلماته (٢٢٩٨) خصوصا قوله أخيرا : " خبر الشارع عن دوامها" صريح في أنّ هذا الحكم غير مختصّ بالإجماع ، بل يشمل كلّ دليل يدلّ على قضيّة مهملة من حيث الزمان بحيث يقطع بانحصار مدلوله الفعلي في الزمان الأوّل. والعجب من شارح المختصر (٢٢٩٩) ؛ حيث إنّه نسب القول بحجّية
______________________________________________________
٢٢٩٨. منها قوله : «وهو إن كان لفظ الشارع ...». ومنها قوله : «فإنّ المخالف مقرّ ...» ، فإنّه ظاهر في شمول المنع لكلّ مورد لم يكن دليل الحالة الاولى شاملا للحالة الثانية ، سواء كان إجماعا أم غيره ، واختصاص اعتبار الاستصحاب بموارد عموم الدليل للحالتين بالعموم أو الإطلاق. ومنها قوله : «لأنّا نقول : ذلك الدليل ...» والتقريب فيه يظهر من سابقه. ومنها قوله : «فلا بدّ لدوامه من سبب ...» إلى آخر ما ذكره ، سيّما قوله : «وكذا خبر الشارع ...».
وبالجملة ، إنّ ظاهر كثير من كلماته التي عرفتها كونه منكرا لاعتبار استصحاب ما عدا عموم النصّ الذي هو خارج من محلّ النزاع ، بل من حقيقة الاستصحاب ، بل قد أسلفنا استظهار ذلك من كلامه أيضا ، فلاحظ.
٢٢٩٩. منشأ التعجّب أمران : أحدهما : نسبة القول باعتبار الاستصحاب مطلقا إلى الغزالي ، مع ما عرفت من أنّ ظاهر كلامه إنكار اعتبار ما عدا استصحاب