نعم ، ما سيجيء وتقدّم من أنّ تعيين الموضوع في الاستصحاب بالعرف لا بالمداقة ولا بمراجعة الأدلّة الشرعيّة ، يكفي في دفع الفرق المذكور ، فتراهم يجرون الاستصحاب فيما لا يساعد دليل المستصحب على بقاء الموضوع فيه في الزمان اللاحق ، كما سيجيء في مسألة اشتراط بقاء الموضوع إن شاء الله.
حجّة القول التاسع وهو التفصيل بين ما ثبت (٢٣٠٦) استمرار المستصحب واحتياجه في الارتفاع إلى الرافع وبين غيره : ما يظهر من آخر كلام المحقّق في المعارج كما تقدّم في نقل الأقوال ، حيث قال : والذي نختاره أن ننظر في دليل ذلك الحكم ، فإن كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم ، كعقد النكاح فإنّه يوجب حلّ الوطء مطلقا ، فإذا وجد الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق ، فالمستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بها لو قال : " حلّ الوطء ثابت قبل النطق بها فكذا بعده" كان صحيحا ، فإن المقتضي للتحليل وهو العقد ، اقتضاه مطلقا ، ولا يعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء ، فيثبت الحكم عملا بالمقتضي.
لا يقال : إنّ المقتضي هو العقد ، ولم يثبت أنّه باق ، فلم يثبت الحكم. لأنّا نقول :
وقوع العقد اقتضى حلّ الوطء لا مقيّدا ، فيلزم دوام الحلّ ؛ نظرا إلى وقوع المقتضي ، لا إلى دوامه ، فيجب أن يثبت الحلّ حتّى يثبت الرافع. فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس ذلك عملا بغير دليل ، وإن كان يعني أمرا آخر وراء هذا فنحن مضربون عنه (١٩) ، انتهى.
وحاصل هذا الاستدلال يرجع إلى كفاية وجود المقتضي وعدم العلم بالرافع لوجود المقتضى. وفيه : أنّ الحكم بوجود الشيء لا يكون إلّا مع العلم بوجود علّته
______________________________________________________
لوضوح عدم كون عدم الرافع مأخوذا في موضوع الحكم ، فلا وجه لإطلاق تسليم عدم تبيّن الموضوع في غير الأدلّة اللفظيّة ، وتسليم تبيّنه في الأدلّة اللفظيّة.
٢٣٠٦. اختاره أيضا صاحب الفصول والمصنّف قدسسرهما. وسيشير المصنّف رحمهالله إلى الفرق بين مذهبهما ومذهب المحقّق رحمهالله. وستقف على توضيح الكلام فيه ، وكذا في الفرق بين مذهب المحقّق الحلّي والخوانساري إن شاء الله تعالى.