بمكلّف دون آخر ، كوجوب الصلاة والزكاة ونحوهما ، وهذا القسم يسمّى بالمسائل الفقهيّة.
وإن شئت قلت : إنّ كلّ مسألة بعد تنقيحها واستنباطها من الأدلّة ، إن اختصّ العمل بها بالمجتهد فهي من المسائل الاصوليّة ، وإن عمّه العمل بها والمقلّد فهي من المسائل الفقهيّة. فلا يرد حينئذ اختصاص وجوب القصر بالمسافر والإتمام بالحاضر ونحوهما ، مع كونهما من المسائل الفقهيّة. وعلى ما ذكرناه يبتنى ما ذكره المصنّف رحمهالله من خاصّة علم الاصول ، وإن كان ذلك لا يخلو من نظر كما سنشير إليه.
وإذا عرفت هذا نقول : إنّ موارد الاستصحاب ومجاريه مختلفة ، ولا إشكال في دخوله في بعض موارده في الفقه ، وفي بعض آخر في الاصول ، ويقع الإشكال في بعض آخر.
أمّا الأوّل ، فهو الاستصحاب الجاري في الموضوعات الخارجة لإثبات الأحكام الجزئيّة ، كعدالة زيد ونجاسة ثوبه وفسق عمرو وطهارة ثوبه ، إذ لا إشكال ـ كما صرّح به المصنّف رحمهالله في آخر كلامه ـ في دخول مثله في المسائل الفقهيّة ، لما أشرنا إليه سابقا من أنّ تمايز العلوم إمّا بتمايز الموضوعات أو الحدود أو الخواصّ أو التدوين أو الاشتهار ، وشيء منها لا يفيد كونه من المسائل الاصوليّة.
أمّا الأوّل ، فإنّ موضوع علم الاصول هي الأدلّة الأربعة المستدلّ بها على إثبات الأحكام الشرعيّة ، والثابت بالاستصحاب في الموضوعات الخارجة أحكام جزئيّة ، وهي ليست بشرعيّة ، بمعنى كونها ممّا ينبغي أن يؤخذ من الشارع كما أسلفناه سابقا ، بل الحكم حيث يطلق فظاهره إرادة الحكم الكلّي منه دون الجزئي.
وأمّا الثاني ، فإنّهم قد عرّفوا الاصول بأنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة ، وقد عرفت عدم إفادة الاستصحاب في الموضوعات الخارجة لحكم شرعيّ.