الأمر الثالث : أنّ المتيقّن السابق إذا كان ممّا يستقلّ به العقل كحرمة الظلم وقبح التكليف بما لا يطاق ونحوهما من المحسّنات والمقبّحات العقلية ، فلا يجوز استصحابه ؛ لأنّ الاستصحاب (٢٤٠٩) إبقاء ما كان ، والحكم العقلي موضوعه معلوم تفصيلا للعقل الحاكم به ، فإن أدرك العقل بقاء الموضوع في الآن الثاني حكم به حكما قطعيّا كما حكم أوّلا ، وإن أدرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم ، ولو ثبت مثله بدليل لكان حكما جديدا حادثا في موضوع جديد.
______________________________________________________
ويبقى احتمال الطهارة بلا معارضة احتمال آخر ، ومقتضاه ثبوت الطهارة شرعا.
٢٤٠٩. حاصله : أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون الموضوع في القضيّة المتيقّنة سابقا معلوم البقاء في الزمان الثاني ، وكان الشكّ متعلّقا بمحموله ، وهذا الشرط غير متحقّق في الأحكام العقليّة. وتوضيحه : أنّ العقل ـ بل الشرع أيضا ـ إنّما يحكم على الموضوعات المعلومة المتشخّصة بجميع قيودها ، لأنّه لا يحكم بشيء إلّا بعد إحراز مناطه وعلّته تفصيلا ، وهذا المناط هو موضوع حكمه لا محالة ، ومن هنا لا يعقل الإجمال في موضوعه. وإذا فرض الشكّ في حكم العقل ، فلا يخلو : إمّا أن يكون مع العلم ببقاء موضوعه الذي حكم عليه أوّلا ، أو مع العلم بانتفائه ولو بانتفاء بعض قيوده التي لها مدخل في حكمه ، أو مع اشتباه بعض مصاديقه الخارجة ، أو مع إجمال موضوعه ، بأن حكم أوّلا على موضوع مجمل ثمّ انتفى ما تحتمل مدخليّته فيه ، أو عرض ما تحتمل مانعيّته منه.
وكلّ هذه الوجوه باطلة. أمّا الأوّلان فلعدم تعقّل الشكّ في حكمه عليهما. وأمّا الثالث فلما عرفت من عدم حكمه إلّا على الموضوعات المتعيّنة المعلومة ، فمع الشكّ في تحقّق موضوعه يحصل القطع بعدم حكمه لا محالة. نعم ، في استصحاب نفس الموضوع حينئذ كلام آخر سيشير إليه المصنّف رحمهالله. وأمّا الرابع فلما عرفت من عدم تعقّل الإجمال في موضوع حكمه.