توضيح ذلك : أنّ المستصحب قد يكون أمرا موجودا في السابق بالفعل ، كما إذا وجب الصلاة فعلا أو حرم العصير العنبيّ بالفعل في زمان ، ثمّ شكّ في بقائه وارتفاعه ، وهذا لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه. وقد يكون أمرا موجودا على تقدير وجود أمر ، فالمستصحب هو وجوده التعليقيّ ، مثل : أنّ العنب كان حرمة مائه معلّقة على غليانه ، فالحرمة ثابتة على تقدير الغليان ، فإذا جفّ وصار زبيبا فهل يبقى بالاستصحاب حرمة مائه المعلّقة على الغليان ، فيحرم عند تحقّق الغليان أم لا ، بل يستصحب الإباحة السابقة لماء الزبيب قبل الغليان؟ ظاهر سيد مشايخنا في المناهل وفاقا لما حكاه عن والده قدسسره في الدرس : عدم اعتبار الاستصحاب الأوّل ، والرجوع إلى الاستصحاب الثاني.
______________________________________________________
وقد يطلق أيضا على استصحاب حكم معلّق على وجود موضوع عند الشكّ في بقاء هذا الحكم وارتفاعه ، لأجل عروض ما يشكّ في بقائه ، مثل قول الشارع : الكلب نجس والغنم طاهر والبيع صحيح ، إذ المراد بهذه القضايا أنّ الكلب إن وجد كان نجسا ، والغنم إن وجد كان طاهرا ، والبيع إذا تحقّق كان صحيحا. فإذا وقع البيع في وقت النداء يستصحب الحكم المعلّق على وجود البيع لإثبات كون هذا البيع صحيحا. وكذا إذا فرض أنّ شخصا لم يقلّد مجتهدا مع وجود الجامع للشرائط ، فإذا مات هذا المجتهد استصحب جواز تقليده إلى ما بعد الموت ، فإنّ تقليد هذا المجتهد كان جائزا ، فيستصحب هذا الجواز ، وإن كان وجوده الفعلي في السابق معلّقا على تحقّق تقليده.
والتمسّك بالاستصحاب بهذا المعنى محكيّ عن بعض متأخّري المتأخّرين. وفيه : أنّ الحكم المستصحب في أمثال ما ذكر ليس معلّقا على شيء ، بل هو مرتّب على موضوعه الكلّي فعلا ، وإن كان تحقّقه في الخارج متوقّفا على وجود بعض أفراده.
وبالجملة ، إنّ الظاهر من الاستصحاب التعليقي استصحاب ما كان وجوده معلّقا على عدم أمر موجود أو وجود أمر معدوم ، لا ما كان عدمه في الزمان