فيترتّب عليه جميع أحكام ذلك العدم ، لا أحكام حدوثه يوم الجمعة ؛ إذ المتيقّن بالوجدان تحقّق الموت يوم الجمعة لا حدوثه ، إلّا أن يقال : إنّ الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم ، وإذا ثبت بالأصل عدم الشيء سابقا وعلم بوجوده بعد ذلك ، فوجوده المطلق في الزمان اللاحق إذا انضمّ إلى عدمه قبل ذلك الثابت بالأصل ، تحقّق مفهوم الحدوث ، وقد عرفت حال الموضوع الخارجيّ الثابت أحد جزئي مفهومه بالأصل.
وممّا ذكرنا يعلم أنّه لو كان الحادث ممّا نعلم بارتفاعه بعد حدوثه فلا يترتّب عليه أحكام الوجود في الزمان المتأخّر أيضا ؛ لأنّ وجوده مساو لحدوثه. نعم ، يترتّب عليه أحكام وجوده المطلق في زمان من الزمانين ، كما إذا علمنا أنّ الماء لم يكن كرّا قبل الخميس ، فعلم أنّه صار كرّا بعده وارتفع كريّته بعد ذلك ، فنقول : الأصل عدم كريّته في يوم الخميس ولا يثبت بذلك كريّته يوم الجمعة ، فلا يحكم بطهارة ثوب نجس وقع فيه في أحد اليومين ؛ لأصالة بقاء نجاسته وعدم أصل حاكم عليه. نعم ، لو وقع فيه في كلّ من اليومين حكم بطهارته من باب انغسال الثوب بماءين مشتبهين.
______________________________________________________
الكرّ الذي مثّل به المصنّف رحمهالله.
وعلى الأوّل ، إمّا يراد ترتيب آثار الحدوث المطلق ، أعني : الحدوث في أحد الزمانين في الجملة ، أو آثار عدم الحدوث إلى زمان اليقين بوجوده المطلق ، أو آثار الحدوث الخاصّ ، أعني : الحدوث في زمان اليقين.
والأوّل يقينيّ ، فلا مسرح للأصل فيه. والثاني ممّا لا إشكال في ثبوته. والثالث هو محلّ الخلاف في ثبوت صفة التأخّر بالأصل وعدمه. والحقّ ـ وفاقا للمصنّف رحمهالله ـ هو الثاني ، لأنّ صفة التأخّر ممّا لا يعقل تقدّمها على زمان اليقين بالوجوب المطلق حتّى يستصحب بقائها ، فلا مسرح له في إثباتها إلّا على التوجيه الذي ذكره المصنّف رحمهالله ، من أنّ حدوث الشيء عبارة عن وجوده المطلق في زمان منضمّا إلى عدمه فيما قبل ذلك ، فإذا ثبت عدمه قبله بالأصل ، وانضمّ ذلك إلى وجوده المطلق في زمان اليقين ، تحقّق مفهوم الحدوث ، كما تقدّم في الأمر السابق من استصحاب حياة المورّث في حال إسلام الوارث ، بناء على كون ذلك سببا للإرث لا موت المورّث عن وارث مسلم.