الأمر العاشر : أنّ الدليل الدالّ على الحكم في الزمان السابق إمّا أن يكون مبيّنا لثبوت الحكم في الزمان الثاني ، كقوله : " أكرم العلماء في كلّ زمان" وكقوله : " لا تهن فقيرا" ، حيث إنّ النهي للدوام. وإمّا إن يكون مبيّنا لعدمه ، نحو قوله : " أكرم العلماء إلى أن يفسقوا" ؛ بناء على مفهوم الغاية ، وإمّا أن يكون غير مبيّن لحال الحكم في الزمان الثاني نفيا وإثباتا : إمّا لإجماله ، كما إذا أمر بالجلوس إلى الليل ، مع تردّد الليل بين استتار القرص وذهاب الحمرة ، وإمّا لقصور دلالته ، كما إذا قال : " إذا تغيّر الماء نجس" ، فإنّه لا يدلّ على أزيد من حدوث النجاسة في الماء ، ومثل الإجماع المنعقد على حكم في زمان ؛ فإنّ الإجماع لا يشمل ما بعد ذلك الزمان.
ولا إشكال في جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث. وأمّا القسم الثاني ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه ؛ لوجود الدليل على ارتفاع الحكم في الزمان الثاني. وكذلك القسم الأوّل ؛ لأنّ عموم اللفظ للزمان اللاحق كاف ومغن عن الاستصحاب ، بل مانع عنه ؛ إذ المعتبر في الاستصحاب عدم الدليل ولو على طبق الحالة السابقة.
ثمّ إذا فرض خروج بعض الأفراد في بعض الأزمنة عن هذا العموم ، فشك فيما بعد ذلك الزمان المخرج بالنسبة إلى ذلك الفرد ، هل هو ملحق به في الحكم أو ملحق بما قبله؟ الحقّ : هو التفصيل في المقام (٢٥٣٠) بأن يقال : إن اخذ فيه عموم
______________________________________________________
٢٥٣٠. تحقيق المقام : أنّه إذا تعلّق حكم بعامّ ، إمّا أن يتعلّق بأفراده في كلّ زمان ، بأن كان الزمان جزء موضوع للحكم ، بأن يعلم من حال الآمر أنّ مراده بقوله : أكرم العلماء وجوب إكرام زيد وعمرو وبكر إلى آخر الأفراد في كلّ زمان يسع إكرامهم ، أو يصرّح هو بذلك ، بأن يقول : يجب عليك إكرام كلّ فرد من العلماء في كلّ زمان من الأزمنة. وإمّا أن يتعلّق بالأفراد على وجه الدوام والاستمرار من دون أخذ الزمان قيدا له ، بأن يعلم من جهة عدم تقيّد الأمر بزمان كون مراد الآمر استمرار حكم الأفراد ، أو كان الاستمرار من لوازم الفعل المأمور به ، كالأمر بالوفاء بالعقود ، بناء على أنّه مع المخالفة في زمان لا يسمّى وفاء