.................................................................................................
______________________________________________________
تزاحم الإمامين أو المترافعين أو المتدرّسين ممّا أجمع الأصحاب ـ حتّى الشهيد الثاني ـ على اعتبار القرعة فيه.
ثمّ إنّ ما ذكرناه من التعميم في موردها ، وكونها أعمّ من التمييز والترجيح ، إنّما هو بالنظر إلى ظاهر كلمات الأصحاب ، وإلّا أمكن أن يقال بكونها للتمييز مطلقا من دون ترجيح لغير المعيّن في الواقع ، بأن يقال : إنّ جعل الأحكام الكلّية كما أنّه لا بدّ أن يكون ناشئا من المصالح والمفاسد الكلّية الكامنة التي لاحظها الشارع ، كذلك يمكن أن يقال بكون القرعة مجعولة لتمييز المصالح الشخصيّة في الموارد الخاصّة المشتبهة التي تختلف باختلاف زمان المكلّف ومكانه وسائر أحواله ، فهي دائما لكشف ما فيه المصلحة من الطرفين ، فلا يفرّق في ذلك بين ما كان من قبيل تزاحم الإمامين واختلاط الموتى في الجهاد.
وربّما يكشف عن هذا المعنى ما رواه في الفقيه والتهذيب عن محمّد بن حكيم عن الكاظم عليهالسلام : «كلّ مجهول ففيه القرعة. قلت له : إنّ القرعة تخطئ. فقال : كلّ ما حكم الله به فليس بمخطئ» لأنّ الظاهر أنّ المراد بالإصابة إصابة ما فيه المصلحة للمتقارعين في نفس الأمر ، فتكون القرعة معتبرة في مواردها مطلقا لتمييز المصلحة الشخصيّة فيها خاصّة. ولم أر من تنبّه على هذا المعنى من الرواية.
لا يقال : إنّ ما ذكرته يرجع إلى مقالة الشهيد الثاني من كون القرعة للتمييز دون الترجيح.
لأنّا نقول : إنّه لا يقول للتمييز بهذا المعنى كما هو واضح ممّا قدّمناه.
إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ الأصحاب ـ كما ادّعاه بعض مشايخنا ـ قد أطبقوا على تقديم الاستصحاب ـ بل البراءة والتخيير والاحتياط ـ على القرعة ، فلا إشكال في الحكم. وإنّما الإشكال في وجهه ، وقد ذكروا له وجوها غير ناهضة :
أحدها : أنّ أدلّتها وإن كثرت بل ربّما بلغت الأخبار الواردة فيها حدّ التواتر ، إلّا أنّه قد تطرّق عليها الوهن لأجل كثرة المخصّصات الواردة عليها ،