فلأنّ ما ذكر ـ من أنّ الأصل في الدليلين الإعمال ـ مسلّم ، لكنّ المفروض عدم إمكانه في المقام ؛ فإنّ العمل بقوله عليهالسلام : " ثمن العذرة سحت" ، وقوله عليهالسلام : " لا بأس ببيع العذرة" على ظاهرهما غير ممكن ، وإلّا لم يكونا متعارضين. وإخراجهما عن ظاهرهما ـ بحمل الأوّل على عذرة غير مأكول اللحم ، والثاني على عذرة مأكول اللحم ـ ليس عملا بهما ؛ إذ كما يجب مراعاة السند في الرواية والتعبّد بصدورها إذا اجتمعت شرائط الحجّية ، كذلك يجب التعبّد بإرادة المتكلّم ظاهر الكلام
______________________________________________________
في الثانية فهو ارتكاب التأويل في ظاهر ما هو متيقّن التعبّد بصدوره ، ولا أولويّة لهذه الصورة.
بل ربّما يتخيّل أولويّة الاولى ، نظرا إلى أنّ في الجمع بينهما بتأويل كلّ منهما مخالفة أصلين ، لمخالفته لما دلّ على اعتبار ظاهر كلّ منهما ، بخلاف الاولى. ولكنّه فاسد ، لأنّ مخالفة التأويل للأصل إنّما هو فرع اعتبار السند ، والفرض في المقام ثبوت اعتبار سند أحد المتعارضين خاصّة ، وهو أحدهما المخيّر أو المعيّن إن كان هنا مرجّح ، فمع عدم ثبوت سند الآخر لا يكون طرح ظاهره مخالفا للأصل ، بل لا يكون له ظاهر حينئذ حتّى يكون طرحه مخالفا للأصل. هذا ، ولكن ستقف على تتمّة الكلام في المقام بما يمكن معه المناقشة ـ بل المنع ـ فيما قدّمناه ، فانتظره.
ثمّ إنّ ما قدّمناه من كون أحد المتعارضين متيقّن الثبوت بحسب السند ، لا ينافي ما سيجيء من المصنّف رحمهالله من أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين المعتبرتين من باب الطريقيّة هو التساقط وخروج كلّ منهما من الحجّية ، لأنّ هذا مبنيّ على اعتبار الأخبار لأجل آية النبأ ونحوها ، وما ذكرناه مبنيّ على اعتبارها لأجل أخبار التراجيح والتخيير ، لأنّ مقتضاها اعتبار أحد المتعارضين تعيينا أو تخييرا ، وعدم إلغائهما رأسا وفرضهما كالعدم ، وهو واضح. وإليه أشار المصنّف رحمهالله أيضا بقوله : «ولا ريب أنّ التعبّد بصدور أحدهما المعيّن إذا كان هناك مرجّح ، والمخيّر إذا لم يكن ، ثابت على تقدير الجمع وعدمه».