المفروض وجوب التعبّد بصدوره إذا لم يكن هناك قرينة صارفة ، ولا ريب أنّ التعبّد بصدور أحدهما المعيّن إذا كان هناك مرجّح والمخيّر إذا لم يكن ، ثابت على تقدير الجمع وعدمه ، فالتعبّد بظاهره واجب ، كما أنّ التعبّد بصدور الآخر أيضا واجب.
فيدور الأمر بين عدم التعبّد بصدور ما عدا الواحد المتّفق على التعبّد به ، وبين عدم التعبّد بظاهر الواحد المتّفق على التعبّد به ، ولا أولويّة للثاني. بل قد يتخيّل العكس فيه من حيث أنّ في الجمع ترك التعبّد بظاهرين ، وفي طرح أحدهما ترك التعبّد بسند واحد.
لكنّه فاسد من حيث أنّ ترك التعبّد بظاهر ما لم يثبت التعبّد بصدوره ولم يحرز كونه صادرا عن المتكلّم ـ وهو ما عدا الواحد المتيقّن العمل به ـ ليس مخالفا للأصل ، بل التعبّد غير معقول ؛ إذ لا ظاهر حتّى يتعبّد به ، فليس مخالفا للأصل وتركا للتعبّد بما يجب التعبّد به.
وممّا ذكرنا يظهر فساد توهّم (٢٧٨٤):
______________________________________________________
٢٧٨٤. هذا شروع في بيان فساد جملة من الاعتراضات التي أوردوها على منع الأولويّة الذي أشار إليه ، وأوضحناه في الحاشية السابقة. وحاصلها : مخالفة ذلك لعمل الأصحاب ، بل وإجماعهم في جملة من الموارد ، منها تعارض ظاهرين قطعيّي الصدور ، لاتّفاقهم على الجمع بينهما بارتكاب التأويل فيهما. وعليه يقاس ما نحن فيه من تعارض ظاهرين ظنّيي الصدور ، بجامع كون الظنّ بالصدور كالقطع به بدليل اعتباره ، لأنّ مقتضى دليل اعتباره تنزيله بمنزلة الواقع ، وأن لا يرتّب عليه ما كان يترتّب عليه على تقدير القطع بصدورهما ، فكما أنّ القطع بصدورهما قرينة عرفيّة على ارتكاب التأويل فيهما ، كذلك القطع باعتبارهما شرعا.
وحاصل ما ذكره في فساد المقايسة : أنّ دليل اعتبار الظاهرين لا يزاحم القطع بصدورهما ، إذ مع القطع بصدورهما لا مناص من تأويلهما ، لأنّ القطع به ملازم للقطع بإرادة خلاف الظاهر منهما لا محالة ، بخلاف ظنّيي الصدور ، لأنّ دليل اعتبار ظاهرهما صالح لمعارضة دليل اعتبار سندهما ، لإمكان رفع اليد عن أحد الدليلين.