على وجه يكون فيه جمع بينهما من جهة وإن كان طرحا من جهة اخرى ، في مقابل طرح أحدهما رأسا. والجمع في أدلّة الأحكام عندهم ، بالعمل بهما من حيث الحكم بصدقهما وإن كان فيه طرح لهما من حيث ظاهرهما.
وفي مثل تعارض البيّنات ، لمّا لم يمكن ذلك ؛ لعدم تأتّي التأويل في ظاهر كلمات الشهود ، فهي بمنزلة النصّين المتعارضين ، انحصر وجه الجمع في التبعيض فيهما من حيث التصديق ، بأن يصدّق كلّ من المتعارضين في بعض ما يخبر به. فمن أخبر بأنّ هذه الدار كلّها لزيد نصدّقه في نصف الدار. وكذا من شهد بأنّ قيمة هذا الشيء صحيحا كذا ومعيبا كذا نصدّقه في أنّ قيمة كلّ نصف منه (٢٧٩٩) منضمّا إلى نصفه الآخر (٢٨٠٠) نصف القيمة. وهذا النحو غير ممكن في الأخبار ؛ لأنّ مضمون خبر العادل أعني صدور هذا القول الخاص من الإمام عليهالسلام ، غير قابل للتبعيض ، بل هو نظير تعارض البيّنات في الزوجيّة أو النسب.
نعم قد يتصوّر التبعيض في ترتيب الآثار على تصديق العادل إذا كان كلّ من الدليلين عامّا ذا أفراد ، فيؤخذ بقوله في بعضها وبقول الآخر في بعضها ، فيكرم بعض العلماء ويهين بعضهم فيما إذا ورد : " أكرم العلماء" ، وورد أيضا : " أهن العلماء" ، سواء كانا نصّين بحيث لا يمكن التجوّز في أحدهما ، أو ظاهرين فيمكن الجمع بينهما على وجه التجوّز وعلى طريق التبعيض ، إلّا أنّ المخالفة القطعيّة (٢٨٠١) في
______________________________________________________
٢٧٩٩. يعني : من الشيء صحيحا ومعيبا.
٢٨٠٠. يعني : في حال اتّصاله بالنصف الآخر. وكذا تصدّق البيّنة الاخرى في النصف الآخر من الصحيح والمعيب. فإذا قال إحداهما بأنّ قيمته صحيحا عشرة ومعيبا ثمانية ، وقالت الاخرى بأنّ قيمته صحيحا اثنا عشر ومعيبا عشرة ، فإذا صدّقنا كلّا منهما في نصف القيمة صحيحا ومعيبا ، تكون قيمته صحيحا أحد عشر ومعيبا تسعة ، وما به التفاوت بين القيمتين صحيحا ومعيبا هو الأرش.
٢٨٠١. المراد بالمخالفة القطعيّة هنا أعمّ من حصول القطع بمخالفة الواقع ومن حصوله بمخالفة ظاهر الدليل المتعبّد به شرعا ، فتدبّر.