من معارضة احتمال التقيّة باحتمال الفتوى على التأويل. ففيه : أنّ الكلام فيما إذا اشترك الخبران في جميع الاحتمالات المتطرّقة في السند والمتن والدلالة ، فاحتمال الفتوى على التأويل مشترك. كيف ، ولو فرض اختصاص الخبر المخالف باحتمال التأويل وعدم تطرّقه في الخبر الموافق ، كان اللازم ارتكاب التأويل في الخبر المخالف ؛ لما عرفت من أنّ النصّ والظاهر لا يرجع فيهما إلى المرجّحات.
وأمّا ما أجاب به صاحب المعالم عن الإيراد بأنّ احتمال التقيّة في كلامهم أقرب وأغلب. ففيه ـ مع إشعاره بتسليم ما ذكره المحقّق من معارضة احتمال التقيّة في الموافق باحتمال التأويل ، مع ما عرفت من خروج ذلك عن محلّ الكلام ـ : منع أغلبية التقيّة في الأخبار من التأويل.
ومن هنا يظهر أنّ ما ذكرنا من الوجه في رجحان الخبر المخالف مختص بالمتباينين ، وأمّا فيما كان من قبيل العامين من وجه ـ بأن كان لكلّ واحد منهما ظاهر يمكن الجمع بينهما بصرفه عن ظاهره دون الآخر ـ فيدور الأمر بين حمل الموافق منهما على التقيّة ، والحكم بتأويل أحدهما ليجتمع مع الآخر. مثلا إذا ورد الأمر بغسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، وورد : " كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله" ، فدار الأمر بين حمل الثاني على التقيّة وبين الحكم بتخصيص أحدهما لا بعينه ، فلا وجه لترجيح التقية لكونها في كلام الأئمّة عليهمالسلام أغلب من التخصيص.
فالعمدة في الترجيح بمخالفة العامة ـ بناء على ما تقدّم من جريان هذا المرجّح وشبهه في هذا القسم من المتعارضين ـ : هو ما تقدّم (١٣) من وجوب الترجيح بكلّ مزيّة في أحد المتعارضين ، وهذا موجود فيما نحن فيه ؛ لأنّ احتمال مخالفة الظاهر قائم في كلّ منهما ، والمخالفة للعامّة مختصّ بمزيّة مفقودة في الآخر ، وهو عدم احتمال الصدور تقيّة (*).
فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ الترجيح بالمخالفة من أحد وجهين ـ على ما يظهر من الأخبار ـ أحدهما : كونه أبعد من الباطل وأقرب إلى الواقع ، فيكون مخالفة الجمهور نظير موافقة المشهور من المرجّحات المضمونيّة ، على ما يظهر من أكثر أخبار هذا الباب.
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «تقيّة» لاجل التقيّة.