.................................................................................................
______________________________________________________
وأراد المصنّف رحمهالله بتوضيح مراد المحدّث البحراني دفع ما أورده الوحيد البهبهاني بالوجوه المتقدّمة. وتوضيح المقام : أنّ مراد المحدّث المذكور بعدم اشتراطه في التقيّة موافقة الخبر لمذهب العامّة هو بيان منشأ اختلاف أكثر الأخبار المأثورة عن أئمّتنا المعصومين عليهمالسلام ، مع فرض قطعيّة سندها كما يراه جماعة من الأخباريّين ، إذ ربّما يستبعد ذلك مع هذا الاختلاف الذي لا يكاد يجتمع ، فأراد دفع هذا الاستبعاد بأنّ الاختلاف فيها إنّما جاء من جهة التقيّة لا من جهة دسّ الأخبار المكذوبة فيها ، لتهذيبها وتنقيحها منها في الأزمنة المتأخّرة ، وأنّ التقيّة لا تنحصر فيما كان هنا قول من العامّة موافق للخبر ، لأنّ الخبر كما أنّه قد يصدر عنهم عليهمالسلام خوفا من العامّة المتوقّف دفع ضررهم على موافقتهم ، كذلك قد يصدر لأجل إلقاء الخلاف بين الشيعة وتكثير مذهبهم وإن لم يكن موافقا لمذهب أحد من العامّة ، لئلّا يعرفوا فيؤخذ رقابهم.
وبالجملة ، إنّ الأئمّة عليهمالسلام كما كانوا يتّقون عن هؤلاء الكلاب أحيانا بإظهار الموافقة ، كذلك كانوا يتّقون عنهم أحيانا بإلقاء الخلاف بين شيعتهم وإن لم يوجد لهم موافق منهم. وبهذا اعترض على المشهور في اعتبارهم وجود قول من العامّة في الحمل على التقيّة. ومقصوده بعدم اشتراط قول منهم في الحمل عليها ليس في مقام الترجيح ، لعدم تعقّل حمل أحد الخبرين بالخصوص على التقيّة مع فرض مخالفتهما للعامّة ، وعدم ما يدلّ على ورود أحدهما بالخصوص لبيان خلاف الواقع. بل مقصوده أنّ الأئمّة عليهمالسلام ربّما كانوا يجيبون في المسائل بما هو خلاف الواقع وإن لم يكن على وفق مذهب أحد من العامّة ، لما يراه من المصلحة في ذلك ، وأنّ هذا هو منشأ اختلاف الأخبار ، لا دسّ الأخبار المكذوبة فيها ، لتنزّهها عنها في الأزمنة المتأخّرة ، لا أنّه في مقام الترجيح يحمل أحد المتعارضين على التقيّة مع مخالفتهما لمذاهبهم.