لمذهب العامّة ؛ لأخبار تخيّلها دالّة على مدّعاه ، سليمة عمّا هو صريح في خلاف ما ادّعاه ، إلّا أنّ الحمل على التقيّة في مقام الترجيح لا يكون إلّا مع موافقة أحدهما ؛ إذ لا يعقل حمل أحدهما بالخصوص على التقيّة إذا كانا مخالفين لهم. فمراد المحدّث المذكور ليس الحمل على التقيّة مع عدم الموافقة في مقام الترجيح ـ كما أورده عليه بعض الأساطين (١٤) في جملة المطاعن على ما ذهب إليه من عدم اشتراط الموافقة في الحمل على التقيّة ـ بل المحدّث المذكور لمّا أثبت في المقدمة الاولى من مقدّمات الحدائق خلوّ الأخبار عن الأخبار المكذوبة لتنقيحها وتصحيحها في الأزمنة المتأخّرة ، بعد أن كانت مغشوشة مدسوسة ، صحّ لقائل أن يقول : فما بال هذه الأخبار المتعارضة التي لا تكاد تجتمع؟! فبيّن في المقدّمة الثانية دفع هذا السؤال بأنّ معظم الاختلاف من جهة اختلاف كلمات الأئمة عليهمالسلام مع المخاطبين ، وأنّ الاختلاف إنّما هو منهم عليهمالسلام ، واستشهد على ذلك بأخبار زعمها دالّة على أنّ التقيّة كما تحصل ببيان ما يوافق العامّة ، كذلك تحصل بمجرّد إلقاء الخلاف بين الشيعة ؛ كيلا يعرفوا فيؤخذ برقابهم (١٥).
______________________________________________________
ومن هنا يندفع الإيرادات المتقدّمة ، لابتنائها على كون مراد المحدّث المذكور من عدم اشتراط الموافقة في الحمل على التقيّة هو الحمل في مقام الترجيح ، وقد عرفت أنّه ليس كذلك.
وأمّا توضيح اندفاعها. فأمّا الأوّل : فإنّه إنّما يرد لو كان مقصود المحدّث المذكور من الحمل على التقيّة هو الحمل عليها في مقام طرحه ، لأنّه حينئذ يرد عليه أنّه لا وجه لطرحه مع مخالفته لمذهب العامّة ، لكون الحكم المخالف لهم رشدا وحقّا في الواقع كما هو مقتضى الأخبار ، وليس كذلك ، لما عرفت من كون مقصوده بيان منشأ اختلاف الأخبار مع فرض تنقيحها وتهذيبها عن الأخبار المكذوبة المدسوسة ، بأنّه كان قد تصدر الأخبار عن الأئمّة عليهمالسلام لبيان خلاف الواقع لما يراه من المصلحة ، وإن كانت مخالفة لمذهب جميع العامّة ، ثمّ بعد ارتفاع المصلحة كانوا يبيّنون نفس الحكم الواقعي ، ومن هذا جاء الاختلاف بينها كما عرفت ، وهذا