نموتها في الدنيا ، ثم لا بعث بعدها ، وهو قوله : (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) ، بمبعوثين بعد موتتنا.
(فَأْتُوا بِآبائِنا) ، الذين ماتوا ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أنا نبعث أحياء بعد الموت ، ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية فقال : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) ، أي ليسوا خيرا منهم ، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع. قال قتادة : هو تبع الحميري ، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة ، وبني سمرقند وكان من ملوك اليمن ، سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وكل واحد منهم يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه ، وكان هذا الملك يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير ، فكذبوه.
وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره ، وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا : كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد بن مليك [يكرب](١) حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة ، وقد كان حين مرّ بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة ، فقدمها وهو مجمع على خرابها واستئصال أهلها ، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره ، فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل ، فأعجبه ذلك وقال : إن هؤلاء لكرام فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما : كعب وأسد من أحبار بني قريظة ، عالمان وكانا ابني عم ، حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها ، فقالا له : أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلّا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة. فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد مولده مكة ، وهذه دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه ، وفي عدوهم.
قال تبع : من يقاتله وهو نبي؟ قالا : يسير إليه قومه فيقتلون (٢) هاهنا ، فتناهى لقولهما عمّا كان يريد بالمدينة ، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة ، وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن ، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة ، قال : أي بيت؟ قالوا : بيت بمكة وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلّا هلك ، فذكر ذلك للأحبار ، فقالوا : ما نعلم لله في الأرض بيت غير هذا البيت ، فاتخذه مسجدا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك ، وما أراد القوم إلّا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحد قط إلّا هلك ، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله ، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم ، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح ، وكسا البيت الوصائل ، وهو أول من كسا البيت ، ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة ، وأقام به [ستة](٣) أيام وطاف به وحلق وانصرف.
فلما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه ، قالوا : لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا ، فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم ، قالوا : فحاكمنا إلى النار.
وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه ، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم ، فقال تبع : أنصفتم ، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه ، فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم ، فأكلت الأوثان وما قربوا معها ، ومن حمل ذلك من رجال حمير.
وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما ، يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما ، ونكصت النار
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط (ب) «فيقتتلون».
(٣) زيادة عن المخطوط (ب)