[٢٠٣١] قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم واشتدّ ذلك على أصحابه ، وظنوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر إذا أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتولى عنهم. فأنزل الله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (٥٥) ، فطابت أنفسهم.
قال مقاتل : معناه عظ بالقرآن كفار مكة (١) ، فإن الذكرى تنفع من سبق في علم الله أن يؤمن منهم. وقال الكلبي : عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) ، قال الكلبي والضحاك وسفيان : هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين ، يدل عليه قراءة ابن عباس : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) من المؤمنين (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، ثم قال في آية أخرى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] ، وقال بعضهم : وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلّا لعبادتي والأشقياء منهم إلّا لمعصيتي ، وهذا معنى قول زيد بن أسلم ، قال : هم على ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إلا ليعبدون. أي : إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي ، يؤيده قوله عزوجل : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) [التوبة : ٣١] ، وقال مجاهد : إلا ليعرفوني (٢). وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده ، دليله قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] ، وقيل : معناه إلّا ليخضعوا إلي ويتذللوا ، ومعنى العبادة في اللغة : التذلل والانقياد ، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، ومتذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق عليه قدر ذرة من نفع ضرر. وقيل : إلا ليعبدون إلّا ليوحدون ، فأما المؤمن فيوحده (٣) في الشدة والرخاء ، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ، بيانه قوله عزوجل :
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥] ، (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) ، أي أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم ، (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) ، أي أن يطعموا أحدا من خلقي ، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه ، لأن الخلق عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه.
[٢٠٣٢] كما جاء في الحديث : يقول الله : «يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني» ، أي فلم تطعم عبدي ، ثم بيّن أن الرزاق هو لا غيره فقال :
(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))
__________________
[٢٠٣١] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ٣٢٢٦٠ عن قتادة مرسلا.
وأخرجه ابن منيع وابن راهوية والهيثم بن كليب في مسانيدهم كما في «أسباب النزول» للسيوطي ١٠٤٨ من طريق مجاهد عن علي بنحوه ، وإسناده ضعيف ، مجاهد عن علي منقطع ، فالخبر ضعيف ، ولا يثبت بمثله سبب نزول أول عدم نزول ، فتنبه ، والله أعلم.
[٢٠٣٢] ـ صحيح ، أخرجه مسلم ٢٥٦٩ وغيره ، وتقدم في سورة البقرة عند آية : ٢٤٥.
(١) في المخطوط «قومك».
(٢) في المخطوط «ليعرفون».
(٣) في المطبوع «فيجده» والمثبت عن المخطوط و «ط».