كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢))
(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٥٠) ، يعني أهل الجنة في الجنة يسأل بعضهم بعضا عن حاله في الدنيا.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) ، يعني من أهل الجنة ، (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) ، في الدنيا ينكر البعث. قال مجاهد : كان شيطانا. وقال الآخرون : كان من الإنس. وقال مقاتل : كانا أخوين. وقال الباقون : كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس (١) والآخر مؤمن اسمه يهوذا ، وهما اللذان قصّ الله تعالى خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) [٣٢].
(يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) (٥٢) ، بالبعث.
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) (٥٣) ، مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكار.
(قالَ) ، الله تعالى لأهل الجنة : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) ، إلى النار ، وقيل : يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف منزلة أخي فيقول أهل الجنة : أنت أعرف به منا.
(فَاطَّلَعَ) ، قال ابن عباس : إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار ، فاطلع هذا المؤمن ، (فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) ، فرأى قرينه في وسط النار ، وإنما سمي وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه.
(قالَ) ، له ، (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) والله لقد كدت أن تهلكني ، قال مقاتل : [معناه](٢) والله لقد كدت أن تغويني ، ومن أغوى إنسانا فقد أهلكه.
(وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) ، رحمته وإنعامه علي بالإسلام ، (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) ، معك في النار.
(أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) (٥٨) ، في الدنيا ، (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ، قال بعضهم : يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت : أفما نحن بميتين؟ فتقول لهم الملائكة : لا.
فيقولون : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٠) ، وقيل : إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون. وقيل : يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره.
قال الله تعالى : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦١) ، أي لمثل هذا المنزل ولمثل هذا النعيم الذي ذكره من قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) (٤١) ، إلى (فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ).
(أَذلِكَ). أي ذلك الذي ذكر لأهل الجنة ، (خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) ، التي هي نزل أهل النار ، والزقوم : [ثمرة](٣) شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم ، يكره أهل النار على تناولها ، فهم يتزقمونه على أشد كراهية ، ومنه قولهم : تزقّم الطعام إذا تناوله على كره ومشقة.
(إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨)
__________________
(١) في المخطوط «قرطوس».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن «ط» والمخطوط.