رقابكم ولتحولوا إلى غير بلادكم ، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد ، فقال زيد بن أرقم أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك محمد صلىاللهعليهوسلم في عز من الرحمن عزوجل ومودة من المسلمين ، فقال عبد الله بن أبي أسكت فإنما كنت ألعب قال فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك بعد فراغه من العدو (١) فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، فقال : دعني أضرب عنقه يا رسول الله ، قال : كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ ولكن أذّن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرتحل فيها فارتحل الناس وأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عبد الله بن أبي فأتاه فقال له : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني؟ فقال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك ، وإن زيدا لكاذب ، وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما ، فقال من حضر من أصحابه من الأنصار : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام وهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله ، فعذره النبي صلىاللهعليهوسلم وفشت الملامة في الأنصار لزيد وكذبوه ، وقال له عمه وكان زيد معه : ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلىاللهعليهوسلم والناس [كلهم يقولون إن عبد الله شيخنا وكبيرنا لا يصدق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار](٢) ومقتوك وكان زيد يساير النبي صلىاللهعليهوسلم فاستحيا بعد ذلك أن يدنو من النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما استقبل (٣) رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، ثم قال : يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي»؟ قال : وما قال؟ قال «زعم إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذل» فقال أسيد فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ، ثم قال : يا رسول الله أرفق به فو الله لقد جاء الله بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي لما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه ، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه مني وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن انظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر. فأدخل النار ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا» قالوا (٤) : وسار رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومه ذلك حتى أمسى وليلته ، حتى أصبح وصدر يومه ذلك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ، ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز فويق البقيع ، يقال له نقعاء فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوفوا منها ، وضلّت ناقة النبي صلىاللهعليهوسلم وذلك ليلا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفي بالمدينة» ، قيل : من هو؟ قال : رفاعة بن زيد بن التابوت فقال رجل من المنافقين كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي ، فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة ، وأخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه ، وقال : «ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة» فخرجوا يسعون قبل الشعب فإذا هي كما قال ، فجاءوا بها من ذلك الشعب وآمن ذلك المنافق ، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم ، وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين ، فلما وافى رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة.
قال زيد بن أرقم : جلست في البيت لما بي من الهم والحياء فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في
__________________
(١) في المطبوع «الغزو».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في المخطوط «استقل».
(٤) في المطبوع «قال».