تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن أبي فلما نزلت أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأذن زيد وقال : «يا زيد إن الله قد صدقك وأوفى بإذنك» وكان عبد الله بن أبي أتى بقرب المدينة ، فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ [راحلته](١) على مجامع طريق (٢) المدينة ، فلما جاء عبد الله بن أبي قال : [ما](٣) وراءك ، قال : ما لك ويلك؟ قال : لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولتعلمن اليوم من الأعزّ من الأذل ، فشكا عبد الله إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما صنع ابنه ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن خل عنه حتى يدخل ، فقال : أما إذا جاء أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنعم ، فدخل فلم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات ، قالوا : فلما نزلت الآية وبان كذب عبد الله بن أبي قيل له : يا أبا حباب إنه قد نزل فيك أي شداد فاذهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي ، إلا أن أسجد لمحمد صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) الآية.
ونزل : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) ، يتفرقوا ، (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فلا يعطي أحد أحدا شيئا إلا بإذنه ولا يمنعه إلا بمشيئته ، (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) ، أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) ، من (٤) غزوة بني المصطلق ، (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، فعزة الله قهره من دونه ، وعزّة رسوله إظهار دينه على الأديان كلها ، وعزّة المؤمنين نصر الله إياهم على أعدائهم. (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ذلك ولو علموا ما قالوا هذه المقالة.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ) ، لا تشغلكم (أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) قال المفسرون يعني الصلوات الخمس نظيره قوله : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [النور : ٣٧] (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي من شغله ماله وولده عن ذكر الله (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١))
(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) ، قال ابن عباس : يريد زكاة الأموال ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ، فيسأل الرجعة ، (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي) ، هلا أخرتني أمهلتني ، وقيل : (لا) صلة فيكون الكلام بمعنى التمني أي لو أخرتني ، (إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) ، فأتصدق وأزكي مالي ، (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، أي من المؤمنين نظيره ، قوله تعالى : (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) [الرعد : ٢٣] ، هذا قول مقاتل وجماعة ، وقالوا : نزلت الآية في المنافقين. وقيل : نزلت الآية في المؤمنين. والمراد بالصلاح هنا الحج.
وروى الضحاك وعطية عن ابن عباس أنه قال : ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤد زكاته وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت. وقرأ هذه الآية. وقال : (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
قرأ أبو عمرو «وأكون» بالواو ونصب النون على جواب التمني وعلى لفظ فأصدق ، قال : إنما حذفت الواو من المصحف اختصارا ، وقرأ الآخرون وأكن بالجزم عطفا على قوله فأصدق لو لم يكن فيه الفاء لأنه لو لم
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المخطوط «طرق».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) تصحف في المطبوع «عن».