ذلك أصلا ثم قالوا :
(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥) وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦))
(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، برمي الشهب ، (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً).
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ، دون الصالحين. (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) ، أي جماعات متفرقين وأصنافا مختلفة ، والقدة : القطعة من الشيء ، يقال : صار القوم قددا إذا اختلفت حالاتهم ، وأصلها من القد وهو القطع ، قال مجاهد : يعنون مسلمين وكافرين ، وقيل : أهواء مختلفة. وقال الحسن والسدي : الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة. وقال ابن كيسان : شيعا وفرقا لكل فرقة هوى كأهواء الناس. وقال سعيد بن جبير : ألوانا شتى. وقال أبو عبيدة : أصنافا.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا) ، علمنا وأيقنا ، (أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) ، أي لن نفوته إن أراد بنا أمرا ، (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) ، إن طلبنا.
(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) ، القرآن وما أتى به محمد ، (آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) ، نقصانا من عمله وثوابه ، (وَلا رَهَقاً) ، ظمأ. وقيل : مكروها يغشاه.
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) ، وهم الذين آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) ، الجائرون العادلون عن الحق. قال ابن عباس : الذين جعلوا لله ندا ، يقال : أقسط الرجل إذا عدل فهو مقسط ، وقسط إذا جار فهو قاسط. (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) ، أي قصدوا طريق الحق وتوخوه.
(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ) ، الذين كفروا ، (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) ، كانوا وقود النار يوم القيامة.
ثم رجل إلى كفار مكة فقال : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) ، اختلفوا في تأويلها ، فقال قوم : لو استقاموا على طريقة الحق والإيمان والهدى فكانوا مؤمنين مطيعين ، (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) ، كثيرا ، قال مقاتل : وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين. وقالوا : معناه لو آمنوا لوسعنا عليهم في الدنيا وأعطيناهم مالا كثيرا وعيشا رغدا ، وضرب الماء الغدق مثلا لأن الخير والرزق كله في المطر ، كما قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) [المائدة : ٦٦] ، الآية. وقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ) [الأعراف : ٩٦].
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩))
وقوله تعالى : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) ، أي لنختبرهم كيف شكرهم فيما خوّلوا. وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن. وقال آخرون : معناها وأن لو استقاموا على طريقة الكفر والضلالة لأعطيناهم مالا كثيرا ولوسعنا عليهم لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا حتى يفتتنوا بها فنعذبهم ، وهذا قول الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان ، كما قال الله : (فَلَمَّا نَسُوا ما