جميعها (رَصَداً) أي يجعل بين يديه وخلفه حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين أن يسترقوا السمع ، ومن الجن أن يستمعوا الوحي فيلقوا إلى الكهنة. قال مقاتل وغيره : كان الله إذا بعث رسولا أتاه إبليس في صورة ملك يخبره فيبعث الله من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة يحرسونه ويطردون الشياطين ، فإذا جاءه شيطان في صورة ملك أخبروه بأنه شيطان ، فاحذره وإذا جاءه ملك قالوا له : هذا رسول ربك.
(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (٢٨))
(لِيَعْلَمَ) ، قرأ يعقوب ليعلم بضم الياء أي ليعلم الناس ، (أَنْ) الرسل ، (قَدْ أَبْلَغُوا) ، وقرأ الآخرون بفتح الياء أي ليعلم الرسول أن الملائكة قد أبلغوا ، (رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) ، أي علم الله ما عند الرسل فلم يخف عليه شيء ، (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) ، قال ابن عباس : أحصى ما خلق وعرف عدد ما خلق فلم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذر والخردل ، ونصب (عَدَداً) على الحال ، وإن شئت على المصدر ، أي عدّ عددا.
سورة المزمل
مكية [وهي عشرون آية](١)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣))
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) ، أي الملتف بثوبه ، وأصله المتزمل أدغمت التاء في الزاي ، ومثله المدثر أدغمت التاء في الدال ، يقال : تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى به. وقال السدي : أراد يا أيها النائم قم فصل. قال العلماء : كان هذا الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة ثم خوطب بعد بالنبي والرسول.
(قُمِ اللَّيْلَ) ، أي للصلاة ، (إِلَّا قَلِيلاً) ، وكان قيام الليل فريضة في الابتداء ثم بين قدره فقال : (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) (٣) ، إلى الثلث.
(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤))
(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) ، على النصف إلى الثلثين ، خيره بين هذه المنازل ، فكان النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه يقومون على هذه المقادير ، وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان ، فكان يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب ، واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهمالله وخفف عنهم ونسخها بقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] الآية ، فكان بين أول السورة وآخرها سنة.
__________________
(١) زيد في المطبوع.