(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥))
(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) (١١) ، يعني عادا وثمود وفرعون عملوا في الأرض بالمعاصي وتجبروا.
(فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (١٣) ، قال قتادة : يعني لونا من العذاب صبه عليهم ، قال أهل المعاني : هذا على الاستعارة لأن السوط عندهم غاية العذاب ، فجرى ذلك لكل نوع من العذاب. وقال الزجاج : جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب.
(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١٤) ، قال ابن عباس : يعني بحيث يرى ويسمع ويبصر ما تقول وتفعل وتهجس به العباد. قال الكلبي : عليه طريق العباد لا يفوته أحد. قال مقاتل : ممر الناس عليه والمرصاد ، والمرصد : الطريق. وقيل : مرجع الخلق إلى حكمه وأمره وإليه مصيرهم. وقال الحسن وعكرمة : يرصد أعمال بني آدم. والمعنى : أنه لا يفوته شيء من أعمال العباد كما لا يفوت من هو بالمرصاد. وقال السدي : أرصد [الله النار](١) على طريقهم حتى يهلكهم.
(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ) ، امتحنه ، (رَبُّهُ) ، بالنعمة ، (فَأَكْرَمَهُ) ، بالمال ، (وَنَعَّمَهُ) ، بما وسع عليه ، (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) ، بما أعطاني.
(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١))
(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) ، بالفقر ، (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) ، قرأ أبو جعفر وابن عامر فقدر بتشديد الدال ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، وهما لغتان أي ضيق عليه رزقه. وقيل : قدر بمعنى قتر وأعطاه قدر ما يكفيه. (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) ، أذلني بالفقر. وهذا يعني به الكافر تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال والحظ في الدنيا وقلته. قال الكلبي ومقاتل : نزلت في أمية بن خلف الجمحي الكافر فرد الله على من ظن أن سعة الرزق إكرام وإن الفقر إهانة.
فقال : (كَلَّا) لم أبتله بالغنى لكرامته ولم أبتله بالفقر لهوانه ، فأخبر أن الإكرام والإهانة لا تدور على المال وسعة الرزق ، ولكن الفقر والغنى بتقديره فيوسع على الكافر لا لكرامته ، ويقدر على المؤمن لا لهوانه ، إنما يكرم المرء بطاعته ويهينه بمعصيته. قرأ أهل الحجاز والبصرة أكرمني وأهانني ، بإثبات الياء في الوصل ، ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء ، أيضا والآخرون يحذفونها وصلا ووقفا. (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) ، قرأ أهل البصرة (يكرمون ، ويحضون ، ويأكلون ، ويحبون) بالياء فيهن ، وقرأ الآخرون بالتاء ، (لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) لا تحسنون إليه. وقيل : لا تعطونه حقه. قال مقاتل : كان قدامة بن مظعون يتيما في حجر أمية بن خلف وكان يدفعه عن حقه.
(وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (١٨) ، أي لا تأمرون بإطعامه ، وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة تحاضون بفتح الحاء وألف بعدها أي لا يحض بعضكم بعضا عليه.
__________________
(١) زيد في المخطوط.