فبعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدة فما وقع منها حجر على رجل إلا خرج من الجانب الآخر ، وإن وقع على رأسه خرج من دبره.
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٥) ، كزرع وتبن أكلته الدواب فراثته فيبس وتفرقت أجزاؤه ، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث. قال مجاهد : العصف ورق الحنطة. وقال قتادة : هو التبن. وقال عكرمة : كالحب إذا أكل فصار أجوف. وقال ابن عباس : هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف له.
سورة قريش
مكية [وهي أربع آيات](١)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١))
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) ، قرأ أبو جعفر ليلاف بغير همز إلافهم طلبا للخفة ، وقرأ ابن عامر لالاف بهمزة مختلسة من غير ياء بعدها ، وقرأ الآخرون بهمزة مشبعة وياء بعدها ، واتفقوا غير أبي جعفر في إلفهم أنها بياء بعد الهمزة إلا عبد الوهاب بن فليج عن ابن كثير فإنه قرأ إلفهم ساكنة اللام بغير ياء وعد بعضهم سورة الفيل وهذه السورة واحدة منهم أبي بن كعب لا فصل بينهما في مصحفه ، وقالوا : اللام في (لِإِيلافِ) تتعلق بالسورة التي قبلها ، وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة ، وقال : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) ، وقال الزجاج : المعنى جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، أي أهلك أصحاب الفيل لتبقى قريش ، وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف.
وقال مجاهد : ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف. والعامة على أنهما سورتان.
واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله : (لِإِيلافِ) قال الكسائي والأخفش : هي لام التعجب ، يقول : اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت ، ثم أمرهم بعبادته كما تقول في الكلام لزيد وإكرامنا إياه على وجه التعجب ، أي اعجبوا لذلك ، والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلا على التعجب من إظهار الفعل منه.
وقال الزجاج : هي مردودة إلى ما بعدها تقديره : فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف. وقال أبو عبيد (٢) : لنعمتي على قريش ، وقريش هم ولد النضر بن كنانة ، وكل من ولده النضر فهو قرشي ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي.
__________________
(١) زيد في المطبوع.
(٢) في المطبوع «ابن عيينة».