وما هو فعل عيسى ـ عليه السلام ـ إنّما هو الأوّلان ، والثالث خارج عن فعله ، بل هو فعل الله بقرينة تقييد الثالث بإذن الله دون الأوّل والثاني.
وعلى الجملة للخلق معنيان :
١ ـ الإيجاد من العدم.
٢ ـ التقدير.
والمتعيّن في المقام هو المعنى الثاني ، والإيجاد من العدم إنّما يتصوّر فيما لم تكن هنا مادة متحوّلة ، والمفروض وجود «الطين» في المقام وما صدر عن عيسى هو «التقدير» أعني : تقدير الطين كهيئة الطير ، وبقي الثالث وهو صيرورته طيراً حقيقياً فهو فعل الله يتحقّق بإذنه سبحانه ، فلم يبق هنا فعل غير عادي يصح استناده إلى المسيح ـ عليه السلام ـ.
أمّا الجواب فنقول أوّلاً : إنّا لا نُسَلّم بأنّ قوله تعالى : (بِإِذْنِ اللهِ) راجع إلى الأمر الثالث ، بل من المحتمل جداً رجوعه إلى الأُمور الثلاثة ، والشاهد عليه أنّه قيّد الأمر الأوّل من سورة المائدة بهذا القيد حيث قال سبحانه :
(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) (المائدة ـ ١١٠).
وعلى ذلك فلا يدل تقييد الأمر الثالث بإذن الله على أنّ الأمرين الأوّلين فعل عيسى والأمر الثالث فعل الله سبحانه ، بل الكلّ فعله ـ عليه السلام ـ من جهة ، وفعل الله من جهة أُخرى.
وثانياً : لو سلّمنا ذلك التكلّف في خلق الطير ، فما ذا يمكن ان يقال في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، التي هي من أفعال الله ، كصيرورة الطين طيراً ، فقد نسبه الله إلى نفسه ، وقال :