فالعبادة ذات تأثير جداً عظيم ، وفي الباطن ، والروح.
إذ الانتهاء عن المحرّمات ، والمكروهات ، والتزام الواجبات والمستحبات ، الإخلاص فيها ذو أثر عظيم ، وعميق في تقوية الروح ، وتجهيزها بقدرة خاصة خارقة للقوانين والسنن بحيث تكون الروح منشأ لآثار خارقة للعادة.
وهذا هو ما أشارت إليه أحاديث صحاح منها : ما روي في الحديث القدسي عن قوله تعالى :
«ما تقرّب إليَّ عبد بشيء أحبّ إليَّ مما افترضت عليه ، وانّه ليتقرب إليَّ بالنافلة حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها» (١).
فالحق : أنّ السلطة الغيبية التي أعطاها سبحانه لخيار عباده ليتصرّفوا في الكون بإذنه ومشيئته ، ويخرقوا قوانين الطبيعة في مجالات خاصة لا تستلزم الاعتقاد بالألوهيّة ، ولا يكون صاحبها نداً وشريكاً لله تعالى.
نعم ، الاعتقاد بالسلطة الغيبية «المستقلة» من دون أن تكون مستنداً إليه سبحانه هو الموجب للاعتقاد بالألوهيّة ، وقد قال سبحانه في هذا الصدد :
(وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (الرعد ـ ٣٨).
__________________
(١). أصول الكافي : ١ / ٣٥٢ ، روى هذا الحديث باسناد صحيح ، والرواية ظاهرة في أنّ العبادة تخلق للنفس قدرة خارقة ممّا لا ينكر ، واحتمال أنّ المقصود منها أنّ فعل العبد يكون محفوفاً برضاء الله سبحانه ، وأنّه لا يفعل ولا يترك إلّا ما فيه رضاه ، احتمال مرجوح جداً ، فانّ الحركة على طبق رضاه طيلة الحياة ، ليست أثر خصوص فعل الصلوات ـ فرائضها ونوافلها ـ بل هي قبل كل شيء إثر الإيمان بالله وثوابه وعقابه ، لا الإقبال على الفرائض والنوافل ، ولو كان لهذه الأفعال تأثير في تلك الحركة فليكن للصوم والحج والجهاد ، تأثير أيضاً ، فلما ذا لم يذكرها؟
فعلم أنّ للصلاة ـ فريضتها ونافلتها ـ تأثيراً في تقوية النفس والروح وترفعتها إلى حدّ يقدر معه الإنسان ، على أن يكون مظهراً لله سبحانه في بصره وسمعه. وبطشه وتكلّمه ، فيبصر ببصره ، ويسمع بسمعه ، ما لا يبصر ولا يسمع بغيره.