كلام آخر للمودودي :
يصف المودودي عقائد الجاهليين ويقول :
«كانت عقيدتهم الحقيقية في شأن سائر الآلهة أنّ لهم شيئاً من التدخّل والنفوذ في ألوهية ذلك الإله الأعلى وأنّ كلمتهم تتلقّى بالقبول ، وأنّه يمكن أن تتحقق أمانينا بواسطتهم ، ونستدر النفع ، ونتجنّب المضار باستشفاعهم» (١).
يلاحظ عليه : أنّ ما صوّر به عقيدة الجاهلية في شأن سائر الآلهة «بأنّ لهم شيئاً من التدخل والنفوذ في ألوهية الإله الأعلى» يحتاج إلى التوضيح ، فإنّ تدخل الغير في شئونه سبحانه على قسمين :
الأوّل : بصورة كونهم مستقلين في أفعالهم وأعمالهم ، وهذا يوجب الشرك وكون المتدخل إلهاً ، والتوجّه إليه عبادة.
الثاني : التدخل والنفوذ بإذنه سبحانه ، وأمره فلا نسلم بطلانه ، وليس الاعتقاد به شركاً ، والطلب عبادة كيف والقرآن يصرّح بأنّ الملائكة تدبّر الأُمور الكونية ، إذ يقول : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (النازعات ـ ٥).
وأنّهم هم الذين يقبضون الأرواح ويهلكون الأُمم العاصية ، إذ يقول عن لسان الملائكة :
(إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ ... فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا) (هود ـ ٧٠ و ٨٢).
فإنّنا نلاحظ ـ بجلاء ـ أنّ الله هو الجاعل ، ولكن المباشر للإهلاك هم : الملائكة ، إذن فلا مناص من تبديل كلمة التدخّل والنفوذ في كلامه بكلمة «التفويض» وغيرها ممّا ينطوي على التصرف في معزل عن أمر الله وإذنه وإرادته.
وأمّا ما نقل عنهم من أنّهم كانوا يعتقدون في حق آلهتهم «بأنّه يمكن أن
__________________
(١). المصطلحات الأربعة : ١٩.