تتحقّق أمانيهم بواسطتها ، ويستدر النفع ، ويتجنّب المضار باستشفاعهم» لا يخلو من قصور (١).
فإن أراد «أنّ النفع الأُخروي والتجنب عن الضرر الأُخروي لا يجوز سؤاله من غير الله سبحانه ، ويكون عند ذلك مثل الوثنيين الجاهليين» فقد صرّح القرآن بخلافه ، إذ لا شك انّ دعاء الرسول لمؤدّي الزكاة موجب للسكن لهم ، ورافع للاضطراب عنهم ، اذ قال سبحانه : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة ـ ١٠٣).
كما أن استغفار الرسول موجب لغفران الذنوب لقوله سبحانه :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء ـ ٦٤).
كما كان دعاء يعقوب موجباً لغفران ذنوب أبنائه لقولهم : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا.)
فأجابهم يعقوب ـ عليه السلام ـ إذ قال : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) (يوسف ـ ٩٨).
وهو كاشف عن جدوى استغفاره ، إذ لو لا ذلك لما وعدهم به ، وعندئذ يجوز أن يطلب من الرسول الدعاء والاستغفار وهو طلب النفع الأُخروي.
وأي نفع ـ ترى ـ أولى من النفع الأُخروي ، وأي دفع ضرر أهم من دفع
__________________
(١). أضف إلى ذلك : أنّ عرب الجاهلية وإن كان يتجنّب المضار باستشفاعهم ، إلّا أنّ عملهم هذا كان مبنياً على القول بألوهيتهم ولأجل ذلك عُدَّ عملهم شركاً ، وكم فرق بين طلب دفع المضار بالاستشفاع بما أنّ الشفيع عبد مكرّم يشفع بإذنه سبحانه ، أو أنّه إله يُعبد ويستقل في فعله وعلى ذلك لا فرق بين الضرر الدنيوي والأُخروي ، في جوازه على الأوّل ، وعدمه على الثاني مطلقاً ، وكان على الأُستاذ تركيز البحث على اعتقاد السائل في حقّ من يطلب منه جلب النفع ودفع الضرر في أنّه هل يعتقد بألوهية المسئول واستقلاله في الجلب والدفع ، أو يعتقد بعبوديته وإنّه لا يجلب ولا يدفع إلّا بإذنه؟ يجب أن يركّز على هذا لا على الفرق بين الضرر الدنيوي والأُخروي.