عذاب الله بدعاء النبي؟ ولو طلب أحدٌ من الرسول دعاءه واستغفاره لجلب هذا النفع لا يكون مشركاً ولا عابداً للنبي.
فهل ـ بعد هذه النماذج الواضحة ـ يتصوّر أن يكون الاعتقاد بتأثير النبي والولي في دفع الضرر وجلب النفع الأُخرويين وطلبهما منه موجباً للشرك ، والقرآن يصرّح به بأعلى صوته وعلى رءوس الأشهاد.
وإن أراد من النفع والضرر ـ في كلامه ـ النفع والضرر الدنيويين وإنّ طلبهما موجب للشرك فقد اعترف القرآن بوقوعه فضلاً عن إمكانه أيضاً.
فقوم موسى ـ عليه السلام ـ استسقوه وهم في التيه فطلبوا منه النفع الدنيوي فلم يردعهم موسى ـ عليه السلام ـ بل استسقى لهم من الله وسقاهم في الحال.
ويشير القرآن الكريم إلى هذا إذ يقول :
(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) (البقرة ـ ٦٠).
كما انّهم طلبوا منه إنزال النعم السماوية فلم يزجرهم عن هذا الطلب ، بل دعا لهم.
وقد طلب آل فرعون منه أن يرفع عنهم الرجز (أي العذاب الدنيوي المذكور قبل الآية) وقالوا :
(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (الأعراف ـ ١٣٤).
فكل ذلك يدل على أنّ استدرار النفع وطَلب دفع الضرر الدنيوي من الغير بإذن الله جائز هو أيضاً ، إذ لو لا ذلك لكان على النبي أن يردعهم ويزجرهم في كل هذه الموارد ، وللزم أن يلفت نظرهم إلى الله ، ليسألوه تعالى هو مباشرة لا أن يسألوه ويطلبوا منه ذلك ، وهو خلق من خلق الله ، وعبد من عبيده.
ولا شك انّ لموسى مدخلية في جلب النفع الدنيوي ، وكذا في دفع الضرر أيضاً.