وليس ذلك إلّا لأنّ الله وراء تلك الأسباب وهي تفعل بأمره وإقداره.
وبكلام آخر أنّ هذه العلل والأسباب حيث إنّها غير مستقلّة ، لا في وجودها ولا في تأثيرها ، بل هي مخلوقة بأسرها وبتمام وجودها ، وتأثيرها لله ، لذا يصرّح القرآن الكريم بأنّه سبحانه الهادي في ظلمات البرّ والبحر والمرسل الرياح ومنزل الغيث من بعد ما قنطوا.
وهذه الحقيقة ـ بعينها ـ مبيّنة بوضوح تام في آيات سورة الواقعة.
إنّ هذا لا يعني أنّ القرآن الكريم يتنكر للعلل والأسباب الطبيعية ، وينكر وجودها ودخالتها ، ويلغي دورها. بل حيث إنّ هذه العلل والأسباب لا تملك من لدن نفسها استقلالاً وتقوم بالله سبحانه قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي بحيث لو قطعت عنها عنايته تعالى آناً ما ، انهارت وتهافتت جملة واحدة ، وانقلب عالم الوجود مع كل وضوحه إلى ظلام وعدم ، لذلك تفنّن في تفسير الظواهر الطبيعية تارة بنسبتها إلى الله سبحانه وأُخرى إلى سائر العلل والثالثة إليهما معاً ، قال :
(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال ـ ١٧).
* التوسّل بالأسباب غير الطبيعية :
إلى هنا تبيّن أنّ النظرة إلى الأسباب الطبيعية بلحاظ أنّها علل غير مستقلّة عين التوحيد ، وبلحاظ استقلالها في التأثير عين الشرك ، وأمّا غير الطبيعية من العلل فحكمها حكم الطبيعية ، حيث إنّ التوسّل على النحو الأوّل عين التوحيد وعلى النحو الثاني عين الشرك حرفاً بحرف ، غير أن الوهابيين جعلوا التوسّل بغير الطبيعية من العلل توسلاً ممزوجاً بالشرك ويقول المودودي في ذلك :
«فالمرء إذا كان أصابه العطش ـ مثلاً ـ فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء