نعم يمكن المناقشة في أنّهم هل يقدرون على ذلك أو لا ، وهل أُعطيت لهم تلك المقدرة أو لا؟ غير أنّ البحث مركز على كونه طلباً توحيدياً أو غير توحيدي.
ومما يوضح ذلك أنّ الفراعنة كانوا يطلبون من موسى كشف الرجز كما في قوله سبحانه : (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (الأعراف ـ ١٣٤).
ولا نريد أن نستدلّ بطلب فرعون أو قومه بل الاستدلال إنّما هو بسكوت موسى أمام مثل هذا الطلب.
وعلى الجملة فلو طلب رجل من السيد المسيح وقال له : إنّك تقول :
(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) (آل عمران ـ ٤٩).
وهذا ولدي قد ابتُلي بالمرض الصعب العلاج فأبرِئه بإذن الله ، وهذا أخي قد مات فأطلب منك أن تحييه ، وعند ذلك أنا وجميع أُسرتي نؤمن بك وبرسالتك.
فهل ترى أنّ المسيح ينسب هذا الطلب إلى الشرك ويعدّ الطالب مشركاً ؛ قائلاً : بأنّ الإبراء والإحياء من أفعاله سبحانه؟ أو أنّه يتلقّى هذا الرجل متحرياً للحقيقة ، وطالباً للهداية ، وأنّ الإبراء والإحياء إنّما يُعدّان من أفعاله سبحانه إذا قام الفاعل بهما على وجه الاستقلال ، والاعتقاد بأنّ المطلوب واجد لهذا النحو من القدرة اعتقاد بألوهيته والطلب منه عبادة له؟
وأمّا الإبراء والإحياء وبقدرة مكتسبة من الله وإذنٌ وإرادةٌ منه سبحانه بحيث يُعدّ المبرئ والمحيي أدوات فعله وأسباب نفوذ إرادته ، ومظهر مشيئته فلا يُعدّ مثل هذا الاعتقاد اعتقاداً بالألوهيّة ولا الطلب عبادة.