العبادة ابتداءً ، بل بمعنى أنّها مستعملة في معناها الحقيقي ، غير أنّها لمّا كانت في موارد الآيات مقرونة باعتقاد الدعاة بألوهيتهم يكون المنهي عنه ذلك القسم من الدعوة لا مطلقاً ، وتكون عقيدة الدعاة في حق المدعوين قرينة متصلة على أنّ المقصود ذلك القسم المعيّن لا جميع أقسامها ، ومن المعلوم أنّ الدعاء مع هذه العقيدة يكون مصداقاً للعبادة.
والدليل على أنّ المراد من الدعوة في هذه الآيات هو القسم الملازم للعبادة أنّه ربما وردت في إحدى الآيتين ذاتي مضمون واحد لفظة الدعوة ، ووردت في الآية الأُخرى لفظة الدعاء مثل قوله :
(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) (المائدة ـ ٧٦)
بينما يقول في الآية الأُخرى وهي :
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) (الأنعام ـ ٧١)
ويقول أيضاً في الآية ١٣ من سورة فاطر :
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)
ففي هذه الآية وما قبلها استعملت لفظة (تَدْعُونَ) و (نَدْعُوا) في حين استعملت في الآية الأُولى لفظة (تَعْبُدُونَ).
ونظير ما سبق قوله سبحانه :
(إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) (العنكبوت ـ ١٧)
هذا وقد ترد كلتا اللفظتين في آية واحدة وتستعملان في معنى واحد :
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (الأنعام ـ ٥٦)
وقوله سبحانه :
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي