فأيّ فرق بين القميص المنسوج من القطن ، والضريح المصنوع من الحديد؟!
وكيف يكون العمل الأوّل غير مزاحم للتوحيد ويكون مؤثراً في ردِّ البصر ، ويكون تقبيل الضريح النبوي الطاهر شركاً وخروجاً عن جادة التوحيد؟!.
فلما ذا هذا التفريق الذي يقوم به الوهابيون؟! هذا وبما أنّ بحثنا في هذا الكتاب يقتصر على دراسة هذه الأُمور التي يستنكرها الوهابيون ، في ضوء القرآن الكريم فانّنا نكتفي بهذا القدر من الكلام ، وإلّا ففي السنّة والتاريخ شواهد كثيرة على وقوع هذا التبرّك ، إذ كان الصحابة والتابعون يتبرّكون بآثار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعض الأولياء.
هذا ولقد وردت في الصحاح وغيرها من كتب الحديث والسير أخبار وروايات تكشف عن تبرّك الصحابة والتابعين بآثار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نذكر بعضها هنا على سبيل المثال لا الحصر :
ففي صحيح البخاري باب غزوة الطائف عن أبي موسى قال : كنت عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال ، فأتى النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أعرابيٌّ فقال : ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له : «أبشر» ، فقال : قد أكثرتَ عليَّ من أبشر ، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال : «ردَّ البشرى ، فاقبلا أنتما» ، قالا : قبلنا ، ثمّ دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومجَّ فيه ثمّ قال : «اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا» ، فأخذا القدح ففعلا ، فنادت أُم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأُمكما ، فأفضلا لها منه طائفة .. (١)
وفي صحيح البخاري في كتاب اللباس باب القبة الحمراء من أدم ، عن ابن
__________________
(١). صحيح البخاري : ٥ / ١٥٧.