ولا كلام في هذا المطلب وليس من المسلمين أحد يتحلّى بالواقعية ينكر عدم كفاية التوحيد الربوبي وحده ، بل للتوحيد ـ كما أسلفنا ـ مراحل أربع وإن اقتصر الوهابيون على مرحلتين منها ونسوا أو تناسوا المرحلتين الأُخريين.
غير أنّ الجدير بالذكر هو : أنّه لا يختلف أحد مع هؤلاء في هذه المسألة الكلية ، فالجميع متّفقون على وجوب الاجتناب عن عبادة غير الله ، ولكن المهم هو أنّ الوهابيين يتصوّرون أنّ تعظيم الأنبياء ، وأولياء الله ـ مثلاً ـ عبادة ، في حين أنّ بين التعظيم والعبادة ـ في نظر الآخرين ـ بوناً شاسعاً وفرقاً كبيراً جداً.
وبعبارة أُخرى : ليس بين المسلمين خلاف في هذا الأصل الكلّي ، وهو عدم جواز عبادة غير الله أبداً ، وإنّما الخلاف هو في نظر الفرقة الوهابية إلى بعض الأعمال ـ كالزيارة مثلاً عند بعضهم ـ حيث اعتبرتها عبادة ، في حين لا تكون هذه الأعمال عبادة ـ في نظر الآخرين ـ.
وبصيغة علمية لا بد أن نقول : ليس الخلاف في الكلّي وإنّما الخلاف هو في تعيين المصداق.
ولأجل حل هذه المشكلة لا بد ـ أوّلاً ـ من التعرّف على المفهوم الواقعي للعبادة لنميّز في ضوء ذلك : العبادة عن غيرها.
وهكذا أيضاً يمكن الوقوف على حقيقة الحال في غير موضوع الزيارة من الأُمور التي يعدها الوهابيون من العبادة كالتوسل بأولياء الله ، وطلب الحاجة منهم في حين يخالفهم المسلمون في ذلك ، فيجوّزون هذه التوسلات ، ويعتبرونها نوعاً من الأخذ والتمسك بالأسباب ، الذي ورد في الشرع الشريف.