سؤال وجواب :
أمّا السؤال فهو أنّه لا شك أنّ الدعوى الأُولى ثابتة فالمشركون كانوا معتقدين بألوهية الاوثان ، وما أورد من الآيات قد أثبتت ذلك بوضوح ، غير أنّ الدعوى الثانية غير ثابتة ، وقصارى ما يستفاد من هذه الآيات هو أنّ عبادتهم كانت ناشئة من الاعتقاد بألوهيتها وهذا لا يدل على دخول مفهوم الألوهية في مفهوم العبادة كما هو المدعى ـ أو دخول كون النشوء عن ذلك الاعتقاد ، في مفهومها.
وعلى الجملة فهذه الآيات لا تدل على أكثر من أنّ عبادتهم للأوثان كانت مصحوبة بهذا الاعتقاد أو ناشئة عنه.
وأمّا كون العبادة موضوعة للخضوع الناشئ عن الاعتقاد بالألوهيّة بحيث يكون النشوء عن تلك العقيدة جزءاً لمعنى العبادة فلا يستفاد من الآيات.
وأمّا الجواب فنقول : إنّما يرد الإشكال لو قلنا بأنّ «الاعتقاد بالألوهيّة» داخل في «مفهوم العبادة» وضعاً حتى يقال إنّ هذه الآيات لا تعطي أزيد من أنّ العبادة من شئون الألوهية ، وهذا غير القول باندراج مفهوم الالوهية في مفهوم العبادة ، انّما المراد انّ العبادة ليست مطلقة الخضوع والتذلل بل أضيق وأخص منهما ، وهذا أمر يعرفه كل إنسان بوجدانه وفطرته ، غير أنّنا نشير إلى هذه الخصوصية ونميز هذا الضيق بأنّه خضوع «ناشئ عن الاعتقاد بالألوهيّة أو الربوبية» كما سيوافيك في التعريف الثاني ، لا أنّ هذه الجملة (ناشئ عن الاعتقاد بالألوهيّة والربوبية) داخلة بتفصيلها في مفهوم العبادة ، ومعناها.
وبعبارة اخرى ، أنّ الإنسان قد لا يقدر على تعريف شيء بنوعه وفصله ، أو حدّه ورسمه حتى يحدّه تحديداً عقلياً لا خدشة فيه ، ولكنّه يجد في نفسه ما هو