القسم الثاني من التفويض :
إذا اعتقدنا بأنّ الله سبحانه فوّض إلى أحد مخلوقيه بعض شئونه كالتقنين والتشريع ، والشفاعة والمغفرة فقد أشركناه مع الله ، وجعلناه نداً له سبحانه ، كما يقول القرآن الكريم :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) (البقرة ـ ١٦٥).
ولا ريب أنّ الموجود لا يقدر أن يكون نداً لله سبحانه إلّا إذا كان قائماً بفعل أو شأن من أفعال الله وشئونه سبحانه «مستقلّا» لا ما إذا قام به بإذن الله وأمره ، إذ لا يكون عند ذاك نداً لله ، بل يكون عبداً مطيعاً له ، مؤتمراً بأمره ، منفذاً لمشيئته تعالى.
هذا وقد كان أخف ألوان الشرك وأنواعه بين اليهود والنصارى وعرب الجاهلية اعتقاد فريق منهم بأنّ الله فوّض حق التقنين والتشريع الى الرهبان والأحبار كما يقول القرآن الكريم : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) (التوبة ـ ٣١) وأنّ الله فوّض حق الشفاعة والمغفرة التي هي حقوق مختصة بالله إلى أصنامهم ومعبوداتهم ، وأنّ هذه الأصنام والمعبودات مستقلّة في التصرف في هذه الشئون ولأجل ذلك كانوا يعبدونها ، لأجل أنّها شفعاؤهم عند الله ، وبأيديها أمر الشفاعة ، كما يقول سبحانه :
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (يونس ـ ١٨).
ولذلك أصرّت الآيات القرآنية على القول بأنّه لا يشفع أحد إلّا بإذن الله ، فلو كان المشركون يعتقدون بأنّ معبوداتهم تشفع لهم بإذن الله لما كان لهذا الإصرار