الباب الرابع والأربعون
باب ذكر
ما ادّعي عليه النسخ في سورة حم عسق [الشورى]
ذكر الآية الأولى :
قوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥] زعم قوم منهم ابن منبه والسدي ، ومقاتل بن سليمان ، أنها منسوخة بقوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٦] وهذا قبيح ، لأن الآيتين خبر ، والخبر لا ينسخ ، ثم ليس بين الآيتين تضاد ، لأن استغفارهم للمؤمنين استغفار خاص لا مدخل فيه إلا من اتبع الطريق المستقيم فلأولئك طلبوا الغفران والإعادة من النيران وإدخال الجنان (١).
واستغفارهم لمن في الأرض لا يخلو من أمرين : إما أن يريدوا به الحلم عنهم والرزق لهم ، والتوفيق ليسلموا وإما أن يريدوا به من في الأرض من المؤمنين ، فيكون اللفظ عاما والمعنى خاصا ، وقد دل على تخصيص عمومه قوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) والدليل الموجب يصرفه عن العموم إلى الخصوص ؛ أن الكافر لا يستحق أن يغفر له فعلى هذا البيان لا وجه للنسخ ، وكذلك قال قتادة : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) قال : للمؤمنين منهم.
وقال أبو الحسين بن المنادي : في الكلام مضمر ، تقديره : لمن في الأرض من المؤمنين.
وقال أبو جعفر النحاس : يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد أن هذه الآية على نسخ تلك الآية ، لأنه لا فرق بينهما.
ذكر الآية الثانية :
قوله تعالى : (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الشورى : ٦].
قد زعم كثير من المفسرين : أنها منسوخة بآية السيف ، وقد بينا مذهبنا في نظائرها وأن المراد : أنا لم نوكّلك بهم فتؤخذ بأعمالهم ، فلا يتوجه نسخ.
ذكر الآية الثالثة :
قوله تعالى : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) [الشورى : ١٠].
__________________
(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٣٠) و «الإيضاح» (ص ٨٩) و «الجامع لأحكام القرآن» (١٦ / ٤ ـ ٥).