الملازمة بين الحكم العملي وحكم الشارع
عرفنا ان مرجع الحكم العملي الى الحسن والقبح وانهما أمران واقعيان يدركهما العقل. وقبل الدخول في الحديث عن الملازمة ينبغي ان نقول كلمة عن واقعية هذين الامرين : فان جملة من الباحثين فسّر الحسن والقبح بوصفهما حكمين عقلائيين اي مجعولين من قبل العقلاء تبعا لما يدركون من مصالح ومفاسد للنوع البشري (١) ، فما يرونه مصلحة كذلك يجعلونه حسنا وما يرونه مفسدة كذلك يجعلونه قبيحا ، ويميّزهما عن غيرهما من التشريعات العقلائية اتفاق العقلاء عليهما وتطابقهم على تشريعهما لوضوح المصالح والمفاسد التي تدعو الى جعلهما ، (وهذا) التفسير خاطئٌ وجدانا وتجربة ، امّا الوجدان فهو قاض بان قبح الظلم ثابت بقطع النظر عن جعل اي جاعل كامكان الممكن (٢) ، وامّا التجربة فلأن الملحوظ خارجيا عدم تبعية الحسن والقبح للمصالح والمفاسد ، فقد تكون المصلحة في القبيح اكثر من المفسدة فيه ، ومع هذا يتفق
__________________
(١) إشارة الى ان نظر العلماء وميزانهم هو مصالح ومفاسد النوع البشري ، لا مصالح ومفاسد غير البشر ، فانّ الحس عند البشر قد يكون قبيحا عند الحيوانات والحشرات وكذا العكس ، فالوساخة مثلا قبيحة عند البشر حسنة عند الحشرات.
(٢) هذا ردّ على قولهم بان ما «يرونه مصلحة» كذلك يجعلونه حسنا وما يرونه مفسدة كذلك يجعلونه قبيحا ، فقبح الظلم ثابت واقعا ولو لم يوجد عاقل في العالم ، والممكن ممكن بقطع النظر عن جعل اي جاعل.