عنها الحجية المشكوكة شيء آخر ، والتأمين عن الأوّل لا يلازم التأمين عن الثاني. ألا ترى أنّ بامكان المولى أن يقول للمكلّف : كلّما احتملت تكليفا وأنت تعلم بعدم قيام الحجّة عليه فأنت في سعة منه ، وكلّما احتملت تكليفا واحتملت قيام الحجّة عليه فاحتط بشأنه؟ (١)
ولكن التحقيق مع ذلك : انّ اجراء البراءة عن التكليف الواقعي المشكوك يغني عن إجراء البراءة عن الحجية المشكوكة ، وذلك بتوضيح ما يلي :
أوّلا : انّ (٢) البراءة عن التكليف الواقعي والحجيّة المشكوكة حكمان ظاهريّان عرضيّان لأنّ موضوعهما معا الشك في الواقع ، خلافا للبراءة عن الحجية المشكوكة فانّها ليست في درجتهما كما عرفت.
__________________
(١) فعلى هذا الاساس يجب اجراء البراءة عن وجوب الاحتياط المحتمل ، فنصل الى نتيجة هي لزوم اجراء براءتين في هكذا حالة.
(٢) أي : انّ البراءة (ككاشفة عن عدم اهتمام المولى بالأحكام الواقعية) في عرض الحجية (ككاشفة عن اهتمام المولى بها فيما لو كانت الامارة منجّزة) ، فالبراءة تعذّر عن التكليف الواقعي وتلك قد تنجزه ، وهذا خلافا للبراءة عن الامارة (المشكوكة وجودا أو حجية) ، فانّ البراءة الأولى (الناظرة إلى الحكم الواقعي) ليست في عرض البراءة الثانية (الناظرة إلى الحكم الظاهري).
وغرض السيد الشهيد (قده) من هذه المقدمة أن يقول : إنّ الشارع المقدّس لا يعقل أن يشرّع البراءة عن التكليف الواقعي ويقول لك في نفس الوقت احتط بشأن الحجية المشكوكة ، فانّهما يؤولان إلى التناقض المستحيل لأنّهما في عرض واحد.
(وفي) النسخة الأصلية قال بدل «درجتهما» «درجتها» ، وهو سهو.